الرئيسية » رصاص ناعم » قلبي ما زال على قيد الفرات

قلبي ما زال على قيد الفرات

هناء الصلال   |  

غادرتها ولم تغادرني مازالت حاضرة في قلبي وقلمي وفي كل تفاصيلي، فهي منارتي أهتدي إليها بعد كل رحيل.

على الرغم من تتابع النكبات عبر التاريخ مازالت تلك البتول المشتهاة..من شرب من فراتها بمقدوره وحده تفسير ماهية العلاقة بين الفرات والإنسان..

يا إلهي أعرني جناحي طائر أو ملاك لأطوف بهما، فروحي تريد أن تجوب الحواري وتقف على كل باب.. تناديني رائحة الفول من عند العم أبو تيسير، لا يرتبط الأمر بالجوع إنما بالاشتياق ولوعة الفراق، وأزورُ مقام أويس القرني وأصلي ركعتين، وأعرج إلى الجامع العتيق ليلف شيخنا الجليل خيطاً أخضر حول معصمي يقيني المس والبلاء..

وأرجع طفلة تهوى اللعب في حديقة الأطفال وهي مكتظة في الأعياد، وأقاسم أقراني مراجيحاً تعلو بنا كالفراش ونتشاجر فيما بيننا وصوت الباعة يسيل له اللعاب (غزل البنات، بوشار، سحلب بحليب، بارد..بارد)، تتفقد الأنامل الصغيرة القطع النقدية التي تشتري ما لذِّ وطاب..

هناك بين حقول الذهب بين الشوندر والقصب بين حقول القطن عندما يبتسم مع الصباح أسرار لا يعرفها أحد باستثناء الأرض والفلاح والبنات..

وتتشابك الأيادي ويصدح صوت المزمار فتعانقُ الأرواح صخب الحياة.. وصوت الموال والعتابة يبدد وحشة الليل كترتيلة أمٍّ تهدهد طفلها كي ينام (يالله تنام… يالله تنام.. تأذبحلك طيرالحمام..روح يا حمام لاتصدق أضحك ع صغيري تاينام)، ثم فجأة تُقتلُ الطفولة ويهاجر الحمام…

تتعرض مدينتي في صباح أول آذار لتركيبة كيميائية خاطئة فتتحول تلك الوديعة المسالمة إلى ثائرة متمردة تدافع عن عذريتها ويعم البلاء..على عجل أزور دار الثقافة أبحث عن كتاب لتاريخ العرب في الخيانات وعن تاريخ المدن المستباحة، لولا الخيانات كيف تسقط البلدان؟

فالتاريخُ يعيدُ نفسه باستثناء بعض الأسماء والمسميات..جعبر تشهد والرصافة وقصر البنات وسورها الذي أحاطها كزنارٍ من العقيق يطوقُ خصرها البان.

ألتف بكل الملاءات السوداء أتقوس على خيبتي.. تاركة خلفي طفولتي والروح تصلي للسلام ما عددتُ الخطى على جسر عودتي، فالأمل كما الفرات يجري وقلبي ما زال على قيد الفرات..

سورية | خاص موقع قلم رصاص الثقافي

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *