الرئيسية » مبراة » ثورة الانحطاط الثقافي !

ثورة الانحطاط الثقافي !

يقول الشاعر الكبير الراحل نزار قباني: “يترافق الانحطاط السياسي مع انحطاط ثقافي بالضرورة”، نعم هذه المقولة صحيحة وها نحن نعايشها منذ سنوات، إذ أن الانحطاط الذي تعاني منه المنطقة وثقافتها وتاريخها لا يمكن لأي عاقل إنكاره ومهما حاول تزيينه وإلباسه لبوس الثورة والربيع المزعوم وما إلى هنالك من تسميات فنتازية لن يكون إلا استمراراً لعصر الانحطاط السياسي وصولاً إلى الانحطاط الثقافي ولاحقاً الانحطاط الثوري الذي رأيناه وكنا شهوداً عليه وإفرازاته المقيتة، وقد جاء كنتيجة مباشرة للانحطاطين السابقين، ولا يمكن أن يكون هناك عصراً أكثر انحطاطاً من هذا الذي تعيشه الأمة العربية وشعوبها سياسياً وثقافياً وأخلاقياً وتربوياً وثورياً..

عانت منطقتنا منذ عقود نتيجة السياسات الخاطئة والاستراتيجيات الفاشلة والأخلاق المعدومة والكلام ليس تعميماً إنما هي الحقيقة التي يتسم بها الغالبية من المحيط إلى الخليج، وأفرزت هذه المعاناة طبقات حقيرة في مجتمع واحد، بدأت تأكل بعضها ولم يبق منها سوى الأكثر حقارة لأنها قادرة على الاستمرار ودافعت عن وجودها مستخدمة كل الوسائل المتاحة غير آبهة بأي نتائج، وتتحمل الأنظمة السياسة الحاكمة في بلداننا العربية كلما جرى ويجري، فهي التي عمدت خلال عقود حكمها إلى ترسيخ منظومة الجهل وتكريسها لتصبح حالة مألوفة في مجتمعات كان دورها الأساسي ومحور وجودها عبادة الفرد في كل الأنظمة الملكية والجمهورية والديكتاتورية، وإهمال قطاع التربية والتعليم كحامل موضوعيوأساسي لأي حضارة ولأي مجتمع حقيقي ومتطور وموجود بشكل فعال في هذا العالم..

إن من استهدفوا المنطقة قد أوهموا أهلها أن الفوضى ما هي إلا مخاض الثورة الذي سينتج ديمقراطية، وعبروا إلى أهلها من خلال الجهل والفشل الأخلاقي وانهار المجتمع دفعة واحدة وهذا يوضح مدى الخلل الذي كان يعانيه، إلا أنها كانت أفشل عملية قيصرية تشهدها الشعوب، والسبب ليس خفياً على أحد سوى أولئك الذين انخرطوا في المشروع وكانوا أدواته بما يسمى الثورة، وتجاهلوا أن المجتمع كله منخور ويحتاج إلى تغيير جذري ومن ثم تقوم الثورة الفكرية التي ينتج عنها منظومة اجتماعية وفكرية جديدة يمكن أن تقدم ثورة حضارية تحقق الأهداف التي قامت من أجلها، وليس أهداف الخارج الذي أوهم الناس أن ما يقومون به ثورة.

إننا نحتاج إلى فكر عميق وثقافة حقيقية وظواهر فكرية ناضجة ينتج عنها تغيير حقيقي وإلا أننا مهما حاولنا بتلك الطرق البدائية لن نصل إلى نتيجة ولن يكون التغيير سوى حلم أبليس بالجنة، كما يقولون شعبياً.. وليست مقولة تغيير الشعب فكاهية كما يعتقد البعض ويسخر، بل إن نحن نظرنا إليها من ناحية أخرى سنجد أنها صحيحة وعميقة جداً حيث أن تغيير الشعب هو أهم تغيير والشعب لن يتغير إلا بالفكر والثقافة وكل من لا يعترف بذلك ويعمل به لا يعول عليه، ومهما تمخض لن يلد إلا فوضى مزمنة تدمر الحجر والبشر.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

النسّاجة

عندما زارنا أول مرة كنت قد كبرت شبراً إضافياً، مسّد على شعري، داعب أرنبة أنفي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *