بيبرس محمد |
على عقارب الساعة لاصق قوي يمنع حركتها حد الثبات، لا هي تمشي ولا الملل يفارقك، أهلاً بك في تدريب التوجيه الاجتماعي البلجيكي، ثلاث ساعات يومية لمدة تقارب الشهر تلقن فيها تاريخ البلاد، قوانين تحوي حقوقك وما يحق عليك، أمور أخر قد تسهل عليك خطوات بدأتها فعلاً.
البعض قد يعتقد أن ما يراودك من شعور وأفكار سلبية ما هي إلا حالة فردية فمن لا يهتم بمعرفة طريقة الحياة في بلد وصلها حديثاً !؟، في داخلك لا تعترض على ذلك ولا تنكر الجهود والموارد المبذولة لهذا الغرض، إنما في اعتقادك أن طبيعتك البشرية ترفض وضعك على المنضدة، تلقن القوانين كحال طفل شرقي وقع في معركة الدواء مع أمه، كبلت جوارحه والملعقة في فمه.
برنامج الاندماج في المجتمع البلجيكي يحتوي شرطين الأول النجاح في المستوى الأول – كما يطلقون عليه – من اللغة الهولندية، وهنا تختلف الشروط من مدرسة لأخرى، والثاني التوجيه الاجتماعي، وهنا مربط الفرس، التوجيه يكون عبارة عن تدريب لمدة 25 يوماً، تُفرض عليك عدة أجندة لحضورها والبعض الآخر تختاره أنت وزملائك، وهذا ما نبحث عنه، فما قد يهم شاب أو شابة في العشرينيات يكون بعيداً كل البعد عن امرأة أو رجل في العقد الثالث من العمر، ما هو موقعك أو موقعهم من الإعراب تجاه ثلاث ساعات لا صلة لها بغاياتكم.
تمنحك الجهة المسؤولة ورقة لتكتب عليها خطتك الشخصية والتي من المقرر أن تقوم بإنجاز خطوتين منها كحد أدنى خلال مدة التدريب ومن المفترض أن تنجز الباقي خلال سنة، يرافق فيها أحد موظفي المؤسسة لمساعدتك وإرشادك، وهذه إحدى الإيجابيات بجانب زيارتك للمكتبة والبرلمان الفدرالي، وبالمناسبة من منا استطاع حضور إحدى جلسات مجلس الشعب في وطننا بكل بساطة، جل ما يقتضيه الأمر إثبات شخصيتك وتفتيش على المدخل.
هل الاندماج بالمجتمع المضيف يكون فعلاً في الفصل؟ لطالما راودك هذا السؤال؟!، منا من يرى صعوبة إمكانية قياس الاندماج بالمجتمع من خلال مدى النشاط في تلك القاعة، أو في الأنشطة المفروضة، فمن المتدربين من يقوم بها بكل جدية كي يضطر لأن يجد نفسه مرة أخرى على ذلك الكرسي.
تخيل لو كان الاختيار عائداً لك وعليك تحقيق نسبة محددة من الحضور خلال فترة السنة، تضع اهتماماتك وتنتقي من الجدول موعداً يناسب توجهك وأولوياتك واحتياجاتك، ما هو الفرق؟!
الفرق إن أحببت المقاربة كشخص يهتم لأمر كرة القدم وتركت له حرية الاختيار بين مباراة لـ”برشلونة” و”البافاري بايرن ميونخ” ومباراة كرة سلة، من يكترث لأمر الثلاثية و”التيكي تاكه” في ذروتها و”ريبري” يخترق دفاعات الخصم؟!.
الفارق في الطريقة ذاتها إن اختيارنا للشيء سيزيد من مدى تجاوبنا وجديتنا وانجازنا كماً ونوعاً، ستلقى جمعاً من المتلهفين للمعلومات لا نيام، عندما تختار تتحمس وعندما يفرض الأمر تنفر تلقائياً.
جميعاً نحن العرب نعيش التجربة ذاتها في مختلف البلدان الأوروبية، قسم منا تمكن من أن ينظر إلى الامر كواقع مفروض، علينا تجاوزه أو التغاضي عنه وإقناع أنفسنا أننا من أختار، والحقيقة أننا أخترنا قدومنا فقط، ويؤكد أصحاب هذه النظرية على ضرورة تقبل المفروض واحترام المضيف وطقوسه وإن كانت غير مقنعة، فمن فتح بابه ليس كمن رماك بالبحر ولكل شيء فاتورة.
أما القسم الأخر فينظر للأمر بعيون تبحث عن الجانب الأكثر إيجابية في صورة واقعنا، ليضيف عليها ابتسامة تجعل من سعيه لمخططاته وطموحاته إزاء حياته الجديدة أكثر إشراقاً وسلاسة.
موقع قلم رصاص الثقافي