جربت بدافع الفضول التطبيق الجديد عبر أحد المواقع الإلكترونية، وهو يبين عدد الساعات التي قضيتها على الفيسبوك خلال العام الفائت، ولست أدري مدى صحته فهذه المواقع التي انتشرت مؤخراً وتتحدث عن الجنسية التي تستحقها والزوجة المستقبلية والمنصب الذي تستحقه، وتاريخ الوفاة…إلخ تستقطبنا ولا ندري غايتها من ذلك.
كانت النتيجة أني قضيت 2400 ساعة في تصفح الفيسبوك، وهذا يعني أني قضيت مئة يوم خلال العام الماضي في هذا العالم الأزرق، وقد أزعجني هذا الرقم لأني رأيته رقماً كبيراً في البداية، إلا أنني حين نظرت إلى نتائج أشخاص آخرين شعرت بنوع من الرضا والطمأنينة وصرت أقنع نفسي أن هذه النتيجة جيدة إذا ما قورنت بنتائج أولئك الذين قضوا ضعف المدة الزمنية أو ضعفيها في هذا العالم الافتراضي، وصرت أخلق المُبررات لنفسي بطبيعة العمل وضرورات التواصل وتداعيات الحرب والنزوح والهجرة التي جعلت من عالمنا هذا الفرصة الوحيدة للتواصل والاطمئنان عن أهلنا وأقاربنا ونتقصى أخبارهم…إلخ.
إلا أن جميع هذه المُبررات لا تنفي حقيقة تحولنا دون أن ندري إلى أسرى لهذه التكنولوجيا التي لست أدري إن كان إدمانها سبباً لمآسينا أو نتيجة لها، ويبقى السؤال مُعلقاً دون أن يجد إجابات واضحة خاصة بعد ما جعلنا هذا العالم مكشوفين ونحن ندون كل أسرارنا ورغباتنا وانفعالتنا وأمنياتنا وأحلامنا وهمومنا وصورنا حتى الخاصة منها جداً…إلخ دون أن نفكر للحظة لماذا نفعل ذلك؟
لو افترضنا أن هذا العالم هو غربتنا عن كل ما حولنا، وإننا في رحلة يومية أو سنوية ألا يجب علينا أن نسأل أنفسنا ماذا حققنا خلال هذه الغربة؟ هناك من سيفكر بالمعرفة التي جناها خلال هذه الغربة، وآخرون سيفكرون بعدد اللايكات الذي حصدوه خلال عام، كذلك سيفكر آخر بعدد الفتيات والنساء التي تمكن من إغوائهن، وآخريات سيفكرن بما أنجزنه وما نشرنه وما جمعنه من معجبين ومغرمين ومتصابين يطاردون صور السيلفي والحشوات المتنوعة فسحر زراق هذا الموقع عليهم يغنيهم عن الحبوب الزرقاء، خاصة مع تحول الفيسبوك إلى منابر ثقافية وسياسية واجتماعية اعتلوها حتى من كانوا يقتصر وجودهم في الحياة على جر الطنابر وفي أحسن الأحوال دفعها، كذلك أراقب بدافع الفضول الكثير من الشخصيات التي أعرفها شخصياً في الحياة الواقعية كما أعرف نفسي، حتى أني أتابع الهامشيين والشعبيين والنخبويين والأكاديميين والمتثاقفين والحوامين والقوادين والعرصات والديّوثين، وهذه المتابعات تتعبني وترهقني حين أرى المثالية، والشهادات الجامعية التي ليست موجودة، والأشعار المُجترة والأفكار الملطوشة، والمقالات المنهوبة، والقلوب المليئة بالتسامح، والجمعيات الوهمية والمنظمات الدونكيشوتية والدعارة الثقافية، كذلك تعرفت مؤخراً على تبادل الزوجات وشهادات التقدير الكاذبة التي أصبحت الوسيلة الأمثل للتطبيق، والمناكحة الافتراضية بعد منتصف الليل..إلخ.
وكي لا نكون مجحفين هناك من يوظف وقته في جني الفائدة، وهم كُثر لكنهم ليسوا الأكثرية للأسف، كذلك نحن لسنا أوصياء أخلاقيين على أحد إنما هي تساؤلات وهواجس أثارها في نفسي ذلك التطبيق وسؤاله وأردت أن اتشاركها معكم، ولكم أن تسألوا أنفسكم أنتم السؤالنفسه، ماذا أنجزنا في غربتنا الفيسبوكية خلال عام مضى؟
رئيس التحرير