الرئيسية » إبــداع » التراب لا يخافَ على سرواله من المطر

التراب لا يخافَ على سرواله من المطر

نوزاد جعدان  |

1

الطين المجنون يركض تحت المطر

لكن يده قصيرة

 وساقه طويلة

لذا يتناوب الجميع على سرقة الأزهار من جيب سرواله

2

ولأنّك يا قلب تموتُ كثيراً

لعبتك هذه

كطفلٍ يتيم يتسلى بخراطيش الرصاص الفارغة

يتمنّى أن يدفن العالم كل تلك البنادق

مثل سنجاب يخبئ بنادقه تحت الأرض

وعند الشتاء ينسى مكانها

تماماً كما يتمنى عودة الكهرباء إلى مدينة الألعاب

3

أمي كانت جيدة بترتيب مائدة الطعام

تعرفُ جيداً مقدار حصة كل واحد منّا

وتعرف أيضا أيضا

ما نحب من مأكولات

اليوم تفعل أمي ذلك بالضبط

ولكن الصحون ملآنة دائماً

وهي تكره ألا ينتهي أحدنا من صحنه

وتكره أيضاً أن تمتلئ أكياس القمامة

ولا تجد أحداً في الليل كي يرميها

4

ولأن النص الآن أصبح كاللون الأصفر

أخر ما يراه المُبصر حديثاً

أكتبُ بالأحمر كلصّ يَقتلُ على مرأى الجميع؛

فلا العالم أعمى ولا أنتِ

5

عندما تمرّ بمرج أخضر

لا تسأل التراب لماذا يغسل وجهه في الليل

ولماذا تتراقص قدما الزهرة في الطين

تماماً كفتاة تحني قدميها في النهر

في مشهد لم نعد نره كثيراً

الطين المجنون له قلب ينبت منه الكثير

وعندما يخجل يتقوقع على نفسه

 و يتعرق عشباً

وحينَ تطول مواسم المطر يتقشر وجهه

ويشتاق إلى أرجل البسطاء

 هو ليس نجساً تماماً

كي نقول أنه يغار من الرمل

الرمل المغرور كامرأة قضت عمرها بتسريح خصل شعرها الذهبية

والاهتمام برشاقة جسمها

 ولم تفكر بالأخرين يوماً

هو أعلى قامة منها بكثير وسعيد حتى بوجهه البائس   

أليس الطين وهو يتنفس أغنية بسيطة

أجمل من أغنية رئتنا المعقدة 

6

أمّي درسٌ من دروس وعاء السماء

ورؤوس الطين

حصة شجرة وهي تهدهد الثمر على ركبتها

تمسح ما علق بثيابنا من تراب

وتُذهب عنا تعب الطين

عندما نعود في المساء هكذا متعبين

بعد أن ينشف الماء من جسدنا

لم أكن أعلم يومها

أن تلك الدالية التي كانت تنسج حصرمها على جدران بيتنا

ستكون يوماً كالملح

 وأنا أعلّق على إحدى عناقيدها معطف الغياب

وأن أمّي سيخّضر الحزن في قلبها كلما مرّت في السوق

ولم تجد أم عارف بائعة الخضار

أمّي وبكل وجهها تقفُ عند كل حقل هنا

وتُذكّرني إني نسيتُ التميمة وأنا أوضّب حقائبي

ونسيتُ معها أيضاً سحب الماء من كل تلك الغيوم

لذا لا تعتبي عليّ إذا ما كان حذائي مغبرّا وثيابي معفّرة

شاعر وكاتب سوري  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

سرابٌ بطعم الوطن

دَعُوهَا ليّسَ لَهَا مُسْتَقَرٌّ في ظلال ِ الياسيمن سرابُهُم في كفِّه وطنٌ التيه: هل من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *