هناء الصلال |
أذكر في بداية الأحداث في وطني عندما كنالانحتفظ ببعض الود والاحترام لوجهات النظر قبل الدخول لساحات الصراع يحمل كل واحد منا شعارات أخالها مزيفة..بعد محاضرات المنطق السقيمة والجافة نحتاج لفنجان قهوة لتعديل المزاج.. نجلسُ على طاولتنا المعتادة في تلك الزاوية من مقهى الجامعة نحن عصبة الأمهات الطالبات..
كنا على الرغم من اختلاف الآراء في وجهات النظر والاتجاهات التي (لاتفسد للود قضية) نناقش الوطن بعاطفة المرأة الأم والزوجة والأخت والطالبة..فنحن بالأخير مواطنات..كان الحديث في السياسة خبز الحياة..ننتبادل الكثير من الآراء حول الأحداث المتسارعة.. ترتفع نبرة الصوت وتحتد الكلمات ويتحول النقاش لنزاعات.. فالسؤال الذي يطرح نفسه دائماً بإلحاح..هل أنت مؤيد ؟؟..أم معارض..؟؟
أمّا الحياد..!! فضائع بين تلك النزاعات..هذا هو الثالوث الذي أنتج الصراعات.. يسرقنا الوقت ونتفق ونحن الذين لم نتفق ولن نتفق في يوم ما، سنظل رغم الخلافات القائمة حول مفهوم الوطن صديقات.. ونفترق….
طلب أستاذمادة علم النفس الفارق حلقة بحث العملي..وبعد بحث اخترت حلقة بعنوان: (الحوار البنّاء) كان مكتب المناقشة يكتض بالطلبة وبعد انتظارساق الملل إلى قلبي نادى باسمي..
– سؤال يا طالبة..
– ما هو الحوار البنّاء. ؟؟
– هو الحوار البعيد عن الثرثرة والذي له ثمرة ويكون مقنعاً ومنطقياً وله أهداف محققة ويخضع لشروط محددة..
– برأيك ..هل ينجح الحوار البنّاء في خروج البلاد من هذه الأزمة؟؟
– دكتور اعتذر منك لكن موضوع الحلقة لا يتضمن الأزمة السورية..
– وأنا أعتبر سؤالي من ضمن موضوع الحلقة ألا نحتاج لهذا الحوار والخضوع لشروطه كما أدرجتِ هذه الشروط..
– الجلوس لطاولة الحوار يتطلب من كل طرف قبول الآخر والإنصات والتدعيم بالبراهين والأدلة وتقديم بعض التنازلات لأن الحوار ليس حول كتاب أو حادثة عابرة فالحوار حول وطن يستحق منا الكثير من التنازلات ليظل معافى ومستقلاً..
أنا لا أستحق تلك الهوية ولا الحياة في كنف هذا الوطن ،إذا لم يكن الحوار بلسان قلبي فالأصوات الهادرة والمهددة والمتوعدة من منابر خارج حدود الوطن لاتستحق تلك الهوية فكماقال محمود درويش (اسقطوا عن قلبي جواز السفر..)
– بالمقابل هل هناك حوار هدّام ..؟؟
-أكيد..الحوارالهدّام ذلك الحوار الذي يلغي الإيثار والتضحية بالغايات والأهداف الشخصية لاستمرار الحوار على الأقل.. وهو الحوار الذي تكون الغاية منه الثرثرة وإثارة حفيظة الآخر تبديد صبره ودفعه لتحوير الحوار..
– ما العلامة التي تستحقينها برأيك..؟؟
-استحق العلامة التي يحددها انتمائي وولائي وأمومتي ومواطنتي ووطنيتي.. ففي قلب كل منا قضية وطن.. أكره أن تحمل قضيتي صفة مادية أوغاية أو مصلحة..
وتصعد روحي سفينة حربية قديمة بلا أشرعة تشق طريقهافي محيط الظلمات بين أمواج الموت والحياة.. وتسمع صرخات استغاثة على بعد أميال وتلج في عتمة تستعرض من مدننا المستباحة جثث وهياكل لأناس كانوا بها سكان وأرامل وأيتام وغصص أمهات فقدت فلذات أكبادها وأزهار ليست من نور كأنها أجنحة غربان وحطام يملأ المكان.. الفساد له رائحة كأنه رائحة جثث متفسخة وهناك وجوه سوداء كتب على جبين كل منها تجار البلاد…وهناك شخص له لاحة رجل بطنه منتفخة يسيل من فمه شلال دم تنزلق منه أرواح الطفولة المشردة والمعذبة.. هل أنا في البرزخ…
أنا احتاج للصلاة.. يا إلهي هب لي من لدنك رحمةً وسلام..هكذا الدنيا تتحول لبرزخ عندما تُباع وتُخان الأوطان.. ويهيج المحيط وتتعالى الأمواج وتلتهم كل صور على طرقات جدران الظلمات كانت معلقة.. نعم أنه الطوفان.. آللهم امنحني صبر أيوب وعصا موسى وقوة سليمان.. فأرواحنا هالكة والبلاد أبتلعها الطوفان.. والضمير العالمي في منأى عن كوارث البلدان.. بل أجزم أنه هو خلف هذا الطوفان.. بعد صراع لا أعلم كم طال.. تشق خيوط النور جبروت الظلام وتهدأ العاصفة وتتراءى لي على بعد أميال جزيرة تتهادى منها ضحكات عابثة ساخرة من قوة الظلام.. فينجلي الغمام وتصبح الرؤية واضحة ..الطفولة تلعب على الشطآن تبني بكفوفها البريئة صروحاً تعانق الجبال.. الحمد لله هذا وطني.. والروح بلغت السلام.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية