الرئيسية » رصاص خشن » «اختبار الندم» للروائي خليل صويلح: الجحيم السوري ومحاولات ابتكار الحياة

«اختبار الندم» للروائي خليل صويلح: الجحيم السوري ومحاولات ابتكار الحياة

«الندم ربما هو اعتذار متأخر عن أفعال كنّا نظن أننا على صواب لحظة ارتكابها». هكذا يستهل الروائي السوري خليل صويلح روايته (اختبار الندم) الصادرة حديثاً عن دار نوفل ـ هاشيت أنطوان، بالحديث عن الندم ومحاولة تعريفه من خلال معايشته له بعيداً عن المصطلحات الفلسفية والأفكار المُسبقة.
وتدور الأحداث حول راوٍ لم يحمل اسماً في الرواية، رغم أنه الراوي البطـــــل، كان يراجع أفكاره ويخزنها في ذاكرته المؤقتة ليُفرج عنها على الورق لاحقاً، فتكون قصة عشق ملحمية إلا أنها لم ترَ النور في ظل مكابدات الكاتب، وانساق النص إلى الحرب الجحيمية رغم الحيطة التي اتخذها الروائي للابتعاد عن حالة الموت اليومي التي يعايشها.
«حرائق الحرب قذفت أفكاري بعيداً، ولم يعد وارداً أن أكتب عن غراميات مرحة، وسط الجحيم اليومي، وأخبار الموتى، وفواتير الكراهية التي كان علينا أن ندفعها للبرابرة كل يوم».
وقد اتخذ صويلح في روايته منحىً قريباً إلى روايته السابقة (جنة البرابرة)، حيث ركز على السرد الذاتي لأحداث حياتية عاشها وعايشها في مدينة دمشق التي ما زالت تعاني تداعيات الحرب المستعرة في البلاد منذ سنوات، إلا أنه اعتمد أسلوباً مغايراً عن ذلك الذي اعتمده سابقاً .. «جرّبت كل أنواع الصبر، ولا أعلم تماماً كيف احتملت تدابير هذه الوليمة المتنقلة من القتل، والمذابح والمقابر الجماعية، والمجاعات وعنف الأرواح؟ وهذا ما يجعلني أشعر بالضيق، وبأن روحي تالفة لفداحة الخسارة».

المتخيل والواقعي

وتتناوب أحداث الرواية بين ما هو مُتخيل وما هو واقعي، إضافة إلى ما يعمل عليه الروائي في مخطوط روايته التي يريد أن ينجزها. تسرد الرواية حكايات فتيات في محيطه .. (أسمهان مشعل) امرأة مُطلقة وشاعرة افتراضية تتلوى ليلاً كأفعى في فراغ السرير، وتتأوه تحت اسمها المستعار في صفحات العالم الافتراضي/فيسبوك، باحثة بين مفردات اللغة عن نشوة رعشة افتراضية. «أغتسل بماء السماء الآن، ومشمشي على أشده، انتبه مشمشي أنا وليس ذلك المجاز في قصيدة محمود درويش، ألا تشم رائحته؟ أجلس الآن وحيدة في غرفة معتمة وباردة من أجلك أنت».
و(نارنج عبد الحميد) الفتاة التي يشي بها حبيبها ويسلمها للمخــــــابرات قبل أن يفر إلى ألمانيا، وتخرج هي من المُعتقــل وقد اغتصبوها وشوهوا جسدها، لتجد نفسها أسيرة سجنها ومأساتها ورغبتــها في التحرر من مآسي المعتقل والانتقام من حبيبها الهارب بالبصق في وجهه «أيقنت أن اغتصابي الأول حدث قبل اعتقالي مباشرة، حين علمت أن من أخبر دورية الأمن تلك الليلة عن مكان إقامتي هو صديقي الحميم في النضال السري».
تســــيطر على الراوي البطل رتابة الأحداث اليومية المكرورة، وكأن كل يـــوم هو نسخة لليوم الذي سبقه وللــــذي يليه، فالمتغير الوحيد هو عدد الضحـــايا، ويبدو أنه يحاول كسر الرتابة بتفقد الأماكــــن الأثرية والتاريخية، وهذه ثيمـــة ملازمة لصويلح الذي يبدو مولعاً بالتاريخ والآثار حاملاً همها ومبــرزاً جماليتها في أغلب أعماله، وقد يعود ذلك إلى دراسته الأكاديمية في قسم التاريخ.. «أيام مكررة تصلح للاستعمال مرة واحدة فقط، مثل شفرات الحلاقة الجاهزة، وما بقي رغوة فائضة لا أكثر».

التقنية السردية

إضافة إلى سلاسة اللغة وجماليتها ورصانة مفرداتها اعتمد الكاتب تقنية تقطيع النص إلى جزئيات سردية ومقاطع صغيرة مترابطة ــ ربما أتت استجابة لمتطلبات قارئ عصر السرعة ــ مما يزيد شغف القراءة وتجعل القارئ يتابع تفاصيل الأحداث، ويغدو أسيراً للنص من الحروف الأولى، متشبثاً بالتفاصيل التي يكثفها صويلح في روايته، دون أن يُغرق القارئ بالتفاصيل المملة كما حصل في أعمال روائية سورية أخرى صدرت مؤخرا.. «كيف لقلب مزارع زيتون من شمال حلب أن ينبض في صدر تاجر أسلحة في بروكسل مثلاً، وكيف لتمثال صقله إزميل نحات سوري قبل ألفي عام أن يحيا في صقيع الشمال، وكيف لعجوز بدوي أن يفسر لموظفة الهجرة حنينه إلى بيته الطيني الذي قصفته الطائرات في غارة جوية».
وبينما تتساقط القذائف والأشلاء من حولك، وتشم رائحة الموت وتسمع صرخات واستغاثات ونداءات، إلا أنك لن ترى إلا خيط الحياة الذي يشكل جرعة أوكسجين للاستمرار والمضي بثبات بحثاً عن جزئيات أمل في هذا الوطن المحموم رغم كل الكآبة التي تسيطر على شخصية الروائي إلا أنه يبقى منحازاً للإنسان.. «الكتابة هي اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، أو النقالة البيضاء التي تقودنا إلى غرفة الإنعاش، وتالياً إلى استنشاق الأوكسجين بما يكفي للنجاة، نكتب إذن، كي نحول ثاني أوكسيد الكربون إلى أوكسجين، والفحم إلى ثمار برية بمذاق حريف، ولترويض آلام الجسد وخطاياه».

تجربة التلقي

وخلال قراءة رواية «اختبار الندم»، ستجد نفســــك مضطراً إلى كثير من المراجعات الذاتية وأنت تفكـك النص السردي وتقـــف عند كل حدث كأنه قضيـــتك الشخصية ورواية بحد ذاتها منفصلة عن الكل.. «كأن الكتابة الافتراضية تمنحنا جرعة من الشجاعة في الخوض بما لا يمكن أن نقوله مباشرة، كما أن البلاغة المراوغة بعبارة ملغّزة، أو بإشارة قابلة للتأويل، أو ببيت شعر مستعار من إحدى المدونات الرائجة، ستحطم حواجز الرصانة تدريجاً، بانزلاقات لغوية تبدو للوهلة الأولى غير مقصودة».

كاتب سوري ـ القدس العربي | قلم رصاص

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

وحشية

١ ثمة ملاك، أو هذا ما نظنه لأنه يرتدي لباساً أبيض، ينشر حوله هالة نورانية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *