إن الحديث عن الواقع الثقافي في سورية الحرب أو سورية الأزمة يزيد جرعة الألم في نفوس المعنيين بهذا الشأن والمنتمين إلى هذا الوسط، وكل ما يمكن قوله إننا بعد كل تلك الخسارات التي مُنينا بها منذ سنوات حتى اللحظة لم نرَ بادرة أمل واحدة على أن آلية التفكير قد تغيرت، أو أن التغيير قادم من رحم الوطن.
وفي كل يوم تُثبت القرارات الحكومية أن الرهان على الإصلاح هو رهان خاسر دون أدنى شك، وهذه الخسارة يرسخها ويعززها صناع القرار الذين ما زال المواطن السوري يفكر بما يدور في أذهانهم حين يتخذون مثل هذه القرارات الارتجالية التي لا تنم عن أي مسؤولية.
والاستراتيجيات الحكومية السورية الفاشلة ليست جديدة أبداً، إنما هي قديمة قدم لعبة الحاح الشعبية، التي كنا نلعبها ونحن أطفال صغار نركض في الحي حاملين العصي، لكني لن أذكر إلا بعض تلك القرارات التي تم اعتمادها في الأزمة كجزء من مشروع الإصلاح الحكومي، ومنها قانون الإدار المحلية الفاشل الذي تم بموجبه دمج البلديات مما زاد الأعباء على المركز بدل اعتماد اللامركزية، ولاحقاً مكافأة المرشح الرئاسي حسان النوري بإنشاء وزارة التنمية الإدارية وتفصيلها على مقاس جهده المبذول في مسرحية الانتخابات الرئاسية، ولاحقاً تقسيم جامعة دمشق إلى دمشق ١ ودمشق ٢، ثم الأسس المعتمدة في التعيينات وهذه وحدها تحتاج إلى وقفة تأمل طويلة وأسئلة كثيرة حول آلية وكيفية اختيار المسؤولين، ففي بلد مثل سورية يتم تعيين مدير مدرسة إعداد حزبي للبعث الاشتراكي مديراً عاماً لأكبر مؤسسة صحفية في البلاد، ويخرج من يتحدث عن تطوير الإعلام السوري، ثم في وقت لاحق يقوم هذا المدير نفسه بعد أن صار في مركز صنع القرار بتعيين أمين فرقة حزبية مديراً للثقافة في إحدى المحافظات.
هكذا تُدار الأمور في بلد يحاول الرفاق استنزافه حتى الرمق الأخير، وبدلاً من أن يواكبوا عجلة التطور من حولهم اخترعوا لها تسمية (العولمة) ليجددوا صراعهم مع الامبريالية بصراع آخر مع العولمة ثم ابتكروا المؤامرة وحاولوا جاهدين توجيه الطاقات للإطاحة بتلك المؤامرة ولا يحتاج المواطن البسيط سوى مراجعة سريعة لتسلل الأحداث والقرارات على مستوى أصغر مدرسة في أقصى ريف البلاد إلى رئاسة الحكومة ليجد أن المحرك الأساسي و”دينامو” المؤامرة ليس إلا الرفاق وقراراتهم الارتجالية التي أفقدت الشعب السوري أدنى أمل بالإصلاح الداخلي فما يجري على الأرض مختلف تماماً عما يتم التنظير له في الإعلام الرسمي الذي يعاني شيزوفرينيا مزمنة.
مجلة قلم رصاص الثقافية