لم تكن مشاهد القبلات في الأفلام الأجنبية في الشوارع وفِي الأماكن العامة سوى مشاهد غريبة عن مجتمعنا ولَم يكن يتخيل أحد أن تدور به الأيام كي يأتي إلى هذه الأماكن العامة ويرى بشكل حي هذه القبلات، فهذه اللقطات لم تكن سوى فنتازيا لدى مجتمعاتنا يمارسها في الغرف المغلقة ويدعي عكس ذلك فهذا المجتمع المنفصم المهترئ والذي يدعي تدينه في مكان ما وعندما يتواجد في مكان آخر ينقلب تدينه إلى شيء آخر ليس له تسمية، فيكف إذا وصل إلى أوروبا وشاهد بأم عينه ما كان يشاهده في الأفلام ويستغرب ويطفئ جهاز التلفزيون أمام عائلته لكنه يشاهدها وحده أما وأنه قد أصبح وجهاً لوجه وفِي داخل الشاشه فأصيب بلوثة هوية…
فبين ممتعض وناقد لهذا السلوك الاعتيادي في شوارع أوروبا كان هناك المحدق، فما أن يشاهد شاب وفتاة يقبلان بعضهما حتى يثبت نظره عليهما بلاصق لا يزول حتى اضطرت دائرة الهجرة أن توزع كتيبات عن الاندماج مرسوم ومكتوب فيها ممنوع التحديق بالإضافة إلى ذلك ما أن يدخل الصيف حتى تصبح الثياب قصيرة وعلى الرغم أن هذا الأمر طبيعي جداً في بلادنا في بعض الأحياء وقد تكون الثياب أقصر لكنه ما أن يشاهد هذا الأمر حتى تخرج حدقتاه من مكانهما متسمرتان خلف هذه الثياب حتى تغيب الفتاة عن النظر ( وكما يقول أحدهم مازحاً: يجب تثبيت نظرك فهذه تحسب نظرة أولى وحتى لا تحسب عليك الثانية إن طرفت عينك) ..
ومن ناحية أخرى هناك من يمثل ثقافته خير تمثيل من جميع الجوانب فنجد الممثل والراقص والصحفي والطبيب والمهندس الخ، وهؤلاء نقلوا النظرة السلبية عن اللاجئين من قبل هذا المجتمع إلى نظرة إيجابية تحاول تلمس الطريق لفهم ثقافتنا بعيداً عن رواية ألف ليلة وليلة المترسخة في وعي ولا وعي المجتمع الغربي عن العرب حتى أنهم يعتقدون أننا حتى هذه اللحظة نتنقل راكبين الجمال ونسكن في الخيام في صحراء جرداء وعندما يشاهدون أفلاماً عن دمشق وحلب ومدن أخرى وصوراً لحضارتنا وتنوع مجتمعاتنا حتى يصابون هم أيضاً بلوثة هويتهم، لأنهم في مكان ما يتلمسون شخصيتهم ويلمسون تشابهاً بين مجتمعنا ومجتمعهم لكنهم يتفاجؤون بجهلهم المطبق عنا، وهنا يقفز السؤال ماذا كانت تفعل البعثات الثقافية في السفارات قبل الحرب؟
لكن السؤال الأكبر والطامة الكبرى إن هناك شريحة كبيرة من اللاجئين لا تعرف شيئاً عن أي شيء وهؤلاء أصيبوا بلوثة هوية مستعصية فلا هم أستطاعوا الإندماج ولا هم استطاعوا إيجاد شخصيتهم الأساسية الضائعة التي لا يعرفون عنها شيئاً سوى الحلال والحرام من منظور ديني مهترء…. وبين حلال وحرام ما زلنا نحدق في شخصيتنا حتى تغيب عن النظر.