ضياء جبيلي |
“السلام عليكم”
كتب اللاعب الذي يلقب نفسه أسد السنة وظل يكرر إرسال التحية عبر منصة بلاي ستيشن 4 التي تدعم خدمة الدردشة الصوتية وتبادل الرسائل التحريرية بين اللاعبين قبل وأثناء اللعب، حتى وصله أخيراً جواب اللاعب الآخر الذي أضافه كصديق مؤخراً، لكن باللغة الفارسية. الأمر الذي أكد تخمينه بشأن هوية اللاعب المرسل إليه. يبدو ذلك واضحاً من لقبه المستعار أسد الشيعة، والعلم الذي وضعه كصورة للملف التعريفي الخاص به، مما أثار الفضول لدى اللاعب الملقب بأسد السنة ( الذي لم يُخفي هو الآخر جنسيته من خلال علم بلاده الذي وضعه كصورة لبروفايله ) بالتعرف إليه ومماحكته، وربما تحديه بواسطة إحدى ألعاب البلاي ستيشن الكثيرة.
“هل يمكننا التعرف” كتب أسد السنة.
“نعم تفضل” أجاب أسد الشيعة بالفارسية.
“هل تتكلم العربية؟”
“نعم”
“وما دمت تعرف العربية” كتب أسد السنة: “لماذا لم تجبني بها منذ البداية؟”
“كما يحلو لي” أجاب أسد الشيعة، وكانت هذه عادة أغلب الإيرانيين، لا يتكلمون إلا بلغتهم القومية حتى لو كانوا يجيدون لغات الآخرين: “هل جئت لتناكدني؟”
“أبداً” رد اللاعب السعودي. ثم اختار زر Options: خيارات، الموجود على شاشة ملف التعريف الخاص باللاعب الإيراني وضغط عليه، ثم ضغط مجدداً على خانة (إرسال طلب الاسم الحقيقي) ولم يمضِ سوى القليل من الوقت، ربما بضع دقائق، حتى تم قبول الطلب، فظهر اسم اللاعب الإيراني الحقيقي في ملف التعريف خاصته. وفي المقابل ظهر اسم اللاعب السعودي الحقيقي لمنافسه الإيراني أيضاً.
“إذن أنت صفوي حقاً!” كتب أسد السنة.
“كلا” رد أسد الشيعة” أنا إيراني كما ترى”
“نعم” كتب أسد السنة : “وهذا يعني بطبيعة الحال أنك صفوي”
“تماماً” أخيراً وافقه أسد الشيعة قائلاً: “مثلما أنك وهابي”
“يمكنك أن تقول ذلك” كتب أسد السنة: “لكني في النهاية سعودي”
“وجاهلي فظّ!”
“وأنت مجوسي نجس!”
“بدوي غليظ!”
“رافضي لئيم !”
“صحراوي مخالف!”
“فارسي حاقد”
“الأعراب أشد كفراً ونفاقاً”
“ما حنّ أعجمي على عربي قط ورب الكعبة”
ثم تلا هذا الحوار المتشنّج موجة من السباب والبصاق والشتائم، ليفترق الإثنان بعدها. إلا أن أحداً لم يلغي صداقة الآخر، ويشبه ذلك الخيط الرفيع الذي دائماً ما يتركه البلدان، إيران والسعودية، في كل مرة يحتدم الخلاف وتسوء العلاقة بينهما، قبل أن يعودا إلى ترميم ما هشّماه من قبل. وفي مثل هذه الظروف، عادة ما يضع الإعلام مفردة ” الهشاشة ” عنواناً لإعادة بناء تلك العلاقة المهشّمة، إذ يظلّ المجسم الذي كوّنه الطرفان من قطع الزجاج المتناثرة هنا وهناك حاد الحواف، وجارحاً لكل من يحاول لمسه.
في مساء اليوم التالي، استأنف اللاعبان حديثهما، لكن على نحو أخفّ من السابق. فعندما دخل أسد الشيعة إلى المنصة، شاهد على شاشة الملف التعريفي لأسد السنة علامة (متصل) مضاءة باللون الأزرق، مما يعني أنه موجود. كما ظهرت أيقونة اللعبة التي كان يلعبها في تلك الأثناء. فكتب له مباشرة من دون أن يقدم لسؤاله بتحية على الأقل:
“ماذا تلعب؟”
لم يستغرق أسد السنة من الوقت كثيراً حتى أرسل الرد، فكان على خلاف ما توقع أسد الشيعة من أنه سيكون شتيمة أو بصقة:
“مثلما ترى.. لكني لم أباشر حتى الآن، احتاج للاعب منافس”
“حقاً؟” كتب أسد الشيعة: “هل هي لعبة مثيرة؟”
“يبدو ذلك” كتب أسد السنة، ولم يبدو عليه التوتر الذي شاب حديثه مع اللاعب الآخر بالأمس:
“اللعبة أمريكية، نزلت إلى الأسواق ثم سُحبت بعد أسبوع. قصتها مستوحاة
من رواية تتحدث عن توأمين سياميين.
“تبدو قصة طريفة” كتب أسد الشيعة: “لكن قل لي، ماذا سيفعل بطلا هذه اللعبة يا تُرى؟”
“أنا أقول لك “كتب أسد السنة: “يدخلان في معركة قنص مثيرة، فإما قاتل أو مقتول”
“وكيف يتقاتلان وهما ليسا سوى توأمان سياميان أحمقان؟” تساءل أسد الشيعة. ثم قال ساخراً لكن في سرّه: “أيها الغبي!”
“يتم فصلهما” كتب أسد السنة رده وأرسله. ثم عقب بينه وبين نفسه قائلاً: أيها الأبله! عاد بعدها ليقول موضحاً: “ثم لا تنس أنهما في لعبة بلاي ستيشن”
“صدقاً!” انبرى أسد الشيعة ثم كتب: “بطلان أخرقان في قصة خرافية داخل لعبة بلاي ستيشن”
“هل تود أن نلعبها؟” سأله أسد السنة.
“ولم لا” رد أسد الشيعة مرحّباً: “على الأقل لن نكون مضطرين إلى قصفكم بالقنابل النووية!”
“إلى ما تلمح؟” سأله أسد السنة، وحين أحس أسد الشيعة أن المحادثة بدأت تغير مسارها بسبب عبارته الأخيرة كتب معقّباً بروح التحدي:
“لا شيء! سأغلبك يا أخ العرب!”
فرد عليه الآخر بالحماسة نفسها: “سنرى ذلك يا أخ المجوس!”
“هل نبدأ؟”
“الآن”
ولكي يباشرا اللعب، حدد أسد السنة خانة (مجتمعات) من شاشة الوظائف، وقام بإنشاء مجتمع، ثم حدد بعدها اللعبة لتكون محور تركيزهما هو وأسد الشيعة. أرسل بعدها دعوة إلى منافسه الذي اقترح خارطة العراق كصورة للمجتمع والعلم العراقي كخلفية.
عندئذ.. بدأ القتال !
روائي وقاص عراقي | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية