Leave me alone
عندما كنت أزور جدتي في مخيم خان دنون قادماً من مخيم جرمانا كنت أقرأ هذه الكلمات على جدار غرفة خارجية لبيت في مدخل المخيم وكنت أقول في نفسي من هذا الذي يريد أن يبقى وحيداً، ومرت الأيام لأجد نفسي من رواد هذه الغرفة الدائمين لأعرف منذ يومين أنه كان وحيداً بالفعل فوق قمته ينظر إلينا ويمد يده كي يرفعنا إليها حيث هو…
بشار إبراهيم كان يقول: “نحن مثل دود الأرض طلعنا من تحت الأرض”، فأبناء المخيمات لم يكن أمامهم سوى هذا الطريق وعندما شقوا طريقهم، هناك من ابتعد وهناك من بقي يمد يده للآخرين كي يشقوا طريقهم كما كان يفعل غسان كنفاني وأبناء جيله، بشار إبراهيم كان من طينة هؤلاء الكبار فيده بقيت ممدودة لنا حتى نفسه الأخير حين امتنع الكثيرون عن مد أيديهم للجيل الجديد فكانت غرفته تلك هي الملاذ الذي نلوذ به من أقصى سوريا لأقصاها، من أبعد مخيم في الشمال حيث كان مسؤولاً لفصيل فلسطيني هناك إلى أبعد مخيم في جنوب سوريا، كان يدفعنا دفعاً كي ننهض مع كل خيبة ناصحاً موجهاً لا يبخل بأي معلومة أو جهد حتى لحظاته الأخيرة حين كلمته قبل ثلاثة أيام قلت له: “يستر عرضك لا تغيب” لأجد نفسي أحاول الاتصال به حين ضاقت بي الأرض كي أسأله عن نبأ جلل ومن لي غيره، فمن لي غيره أستنجد به حين الألم.
كم هذا الفراغ كثير بعدك، هذا الفراغ الهائل تركته خلفك فمن يملؤه مثلك يا صاحب الفضل..
كنت فلسطيننا الخاصة حملت بندقيتك فدائياً من أجل فلسطين الحلم لكنهم خذلوك فأصبحت أكبر من فصيل وأصغر من منظمة تحرير كما كنت تقول، لكننا كنّا نعرف أنك كبير جداً حتى أن أصقاع الأرض لا تسع طموحك فسدوا الطريق أمامك لأنك تحمل وثيقة سفر، لكن شعور المرارة هذا كان يدفعك للسخرية منهم فلم يكن غيابك عن المهرجانات العربية إلا لهذا السبب بسبب عدم منحك تأشيرة دخول للبلاد العربية …
يروي ساخراً أنه أصبح وثيقة بعد أن كان (الأستاز بشاريا خبر أبيض) فبعد أن رحب به القنصل المصري في دمشق وأعطاه دعوة لمهرجان الإسماعيلية طلب هذا القنصل جواز سفره كي يمنحه تأشيرة إلى مصر وحين أعطاه بشار الوثيقة السورية نظر إليه القنصل وقال له: “آآآآ انت وثيقة” بعد أن كان الأستاز بشار أصبح وثيقة، نعم يا صديقي أصبحت وثيقة من أهم وثائق التأريخ للسينما العربية عامة والفلسطينية خاصة، وثيقة على جهلهم، أصبحت وثيقة لأصدقائك يفتخرون بها ومن لا يفخر بصداقتك وأنت فلسطينه الحلم، عندما أخبرت عمر الشيخ أني أتشرف بالطلب منك أن تكتب في موقع “قلم رصاص” لم يصدق، وقال: “استحالة أن يقبل بشار إبراهيم الكتابة بموقع جديد”، ومعه كل الحق فهو لا يعرفك بشكل شخصي فهالتك وحضورك لهما حق علينا لكنك وبسرعة الرصاص أرسلت مادتك عن السينما السورية لـ”قلم رصاص”، وأنت من خط دربه بالرصاص وكان قلمك رصاصتك من أجل فلسطين وأكاد أجزم أنك رحلت في يوم الأرض لأنك هي فأنت في تجليك صورة من صور فلسطين..
بشار إبراهيم كسر ظهري غيابك يا صديقي، حتى أني اتصلت بك كي أشكو لك حزني ولَم تجب وهذه هي المرة الأولى التي لم تجبني فيها، فأي خطب جلل حدث يا صاحب الفضل جعلك لم تجب اتصالي، على الصعيد الشخصي كنت صاحب فضل وستبقى مثلاً يُحتذى، وأي شرف لي حين يكون بشار إبراهيم صاحب الفضل مثلاً… مثلاً.