صارت “الثورة” أو “الأزمة” أو الحرب السورية الشعواء غطاءً شرعياً لفشل كثير من السوريين في مناحي هذه الحياة كافة..
وغدت هي على اختلاف مسمياتها عند الشعب السوري الشماعة التي يُعلقون فشلهم عليها.. أشخاص هامشيون لم يكن لهم أي وجود في هذه الحياة لا ثقافياً، ولااجتماعياً ولا علمياً ولا معرفياً ولا حتى مادياً صاروا يظهرون و”يتمنفخون” علينا باسم “الثورة المباركة”، ويجدون في “الثورة” فرصة لتغطية فشلهم الدراسي والاجتماعي والعملي والأخلاقي، وتعويض عقد نقصهم في الحياة عبر صفحات الفيسبوك..
وهنا يلح علينا سؤال، وهو ماذا سيكون مستقبل هؤلاء لو لم تندلع الحرب السورية وتفتك بالبشر والحجر؟
هل حقاً سيكونون على لوائح التفوق والإبداع العالمي، وسيتصدرون المشهد في مختلف المجالات الإبداعية والعلمية؟ هل كان سيشعر بوجودهم أحد في هذا الكون لو لم تخترع لهم “الإمبريالية” العالمية شبكة التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، وتقدمه لهم مجاناً، وتقنعهم أن لهم آراءً يجب أن يعبروا عنها بحرية، وصار بعضهم يشغلون الفيسبوك حتى بنقر أنوفهم، وأصبحت صفحة الواحد منهم النافذة التي يطل من خلالها على العالم، فتارة يوجه خطاباً لترامب، وتارة أخرى إلى بوتين، وعدة خطابات إلى بانكيمون، وهو في الوقت ذاته لا يجيد رصف ثلاث جمل مفهومة المعنى ودون أخطاء.
ويبدأ السوري كذبه الافتراضي منذ اللحظة الاولى التي يدون فيها معلوماته الشخصية، ومعلومات التعليم والعمل، وتتوالى سلسلة الكذب دون انقطاع ما خفي منها (المسنجر) وما ظهر (البوستات)، وليس أمام الجمهور سوى المتابعة ومحاولة تصديق كل هذه المثاليات.
مما لا شك فيه ولا يمكن لعاقل إنكاره هو أن ما جرى في سورية دمر ملايين السوريين، وحطم احلام كثيرين لكن يوجد شريحة كبيرة من الفاشلين مُسبقاً يعزون فشلهم لأزمة البلاد، وقد التقيت وشاهدت كثر ممن يدّعون أن أزمة البلاد دمرت مستقبلهم، ونراهم يتباكون، وبعض من أعرفهم فشلوا في إكمال دراستهم الثانوية أو الجامعية واستنفدوا جميع فرصهم قبل عام 2005 والبعض منهم قبل عام 2003 على سبيل المثال لا الحصر، لكن حين يسألهم أي شخص عن دراستهم وتحصيلهم العلمي يجيبون أنهم كانوا في الجامعة ولم يكملوا بسبب الأحداث، كذلك حين قدموا طلبات اللجوء هنا أبلغوا السلطات الرسمية أنهم لم يستطيعوا إكمال دراستهم بسبب “النظام الغاشم” المستبد الكاره للعلم والعلماء، ولولا هذا النظام لكانوا هم الآن رواد فضاء كما قالوا لمعلم الابتدائي يوماً حين سألهم عن طموحهم في المستقبل.
وليس في مجال الدراسة فقط، بل في الفن أيضاً، حيث رأينا نماذج كثيرة لأشخاص نعرفهم جيداً ولا تربطهم بالفن أي علاقة سواء كانت علمية معرفية أو على مستوى الهواية والموهبة، لكنهم هنا قدموا أنفسهم على أنهم فنانو “الثورة” الذين اضطهدهم النظام وحارب ثورتهم وروجوا لأنفسهم في وسائل إعلام “الثورة” بينما الفنان الحقيقي ما زال في بيروت وتركيا يفكر كيف يتدبر أجرة بيته، وكذلك أيضاً في الأدب والثقافة والإعلام والسياسة والمجتمع…
مجلة قلم رصاص الثقافية