ترجمة وإعداد أحمد الخليل |
اللجوء لأسباب اقتصادية ولم الشمل العائلي..المئات من الألمان في ولاية بافاريا هاجروا إلى أمريكا
في منطقة بافاريا كانت الحياة خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين قاسية جداً، فالزراعة بالكاد كانت تستطيع سد الأفواه المفتوحة الكثيرة…لذلك كثير من الأطفال في منطقة ماوت (MAUTH) أرسلهم ذويهم إلى منطقة فرايونغ (FREYUNG) من أجل التسول والحصول على ما يسد الرمق!!
الراغبون بالهجرة إلى الخارج أعطوا إدارة بلدية فولف شتاين مذكرة جاء فيها: أن الحياة في أمريكا لا يمكن أن تكون أسوأ من هنا، وحسب التقارير والرسائل القادمة من أمريكا: هناك أي في أمريكا الحياة تسير بسهولة أكثر بكثير: ففي البراري الغربية الامريكية توجد أراضٍ مجانية، وفي مدينة شيكاغو المليونية يوجد فرص عمل لا تعد ولا تحصى في المصانع والورشات، ويمكن للشخص أن ينتقل من مرمطون (غسال صحون) إلى مليونير !!!
في صحيفة فرايونغ اليومية أعلن وكيل الهجرة جورج ارنست بيرجر، والذي كان في تلك الأثناء يمتلك مركز أعمال في وسط المدينة، أعلن أن بإمكان الشخص أن يصل إلى نيويورك بالسفن خلال عشرة أيام وبسعر مناسب جداً بدءا من 66 قطعة ذهبية للشخص الواحد.
وهكذا على سبيل المثال في عام 1855 ذهب، وبرحلة واحدة رجال عجائز مع نسائهم وابناءهم الشباب مع صديقاتهم، ونساء شابات مع اولادهن غير الشرعيين، أي ما يقارب 74 شخصا من الأقارب والأصدقاء منهم 44 طفلا، من شرق بافاريا إلى أمريكا.
المهاجرين ذهبوا أولا إلى مدينة باساو (PASSAU ) بالعربات ومن ثم استقلوا القطار إلى منطقة الراين ومن هناك ركبوا السفينة إلى هافري الفرنسية وفيما بعد تابعوا إلى أرض الأحلام ..
في مدينتي هامبورغ وبريمن عمل قطاع الهجرة المزدهر بكامل طاقته، فيوميا كانت تعرض وكالات الهجرة 2000 مكان للنوم، كما أن متاجر الاغذية والمؤونة تبيع مواد هائلة يوميا للعابرن باتجاه الحلم، وكذلك المصورين فقد ازدهر علمهم حيث كانوا يلتقطون مئات الصور الوداعية للناس المهاجرين.
كان يقيم المهاجرون وينامون بين الأسطح الخشبية للسفن وبين العوارض ومباشرة فوق المحركات التي تدوي بصوتها الصاخب، وعلى الألواح الخشبية كان يستلقي الرجال الغرباء بجانب النساء والتي تتطابق أرقام بطاقاتهم مع بعض.. وغالبا ما كان يحصل خلال الرحلة إلى أرض الأحلام اعتداءات جنسية وحالات اغتصاب وتحرش ومشاجرات هائلة نتيجة الازدحام الشديد…
في الساحل الشرقي لنيويورك تم إشغال الأعمال الجيدة والمهمة من قبل المهاجرين السابقين وبخاصة من قبل الذين قدموا من ولاية بادن فورتمبرغ الالمانية (BADEN WÜRTTEMBERG) …بينما ينتظر المهربون وبعض العصابات القادمين الجدد من ألمانيا والذين ليس لديهم معرفة كافية باللغة الانكليزية ويوهمونهم بأن أوراقهم وبطاقات سفرهم غير صالحة، فيستولون على ماتبقى من أموالهم من خلال عمليات نصب كثيرة تعرض لها هؤلاء الباحثين عن فرصة عمل، والذين قطعوا آلاف الاميال للحصول عليها..، ونتيجة لذلك اضطر الكثيرون من المهاجرين في شيكاغو للجوء إلى معارفهم وأقاربهم وأبناء بلدهم للمبيت او للعيش المؤقت ريثما يتدبرون أمورهم …ونتيجة لهذا التوافد الكبير على المدينة نشأت أحياء سكانية خاصة بالمهاجرين الألمان كما هي الحال القادمين من منطقة هيرتزاوجسريوت (Herzogsreut) تللك المنطقة التابعة لمدينة فراينوغ في ولاية بافاريا قرب الحدود التشيكية والنمساوية والتي يطلق عليها الغابات البافارية ..كما ترسخت في تلك الأحياء العادات والثقافة البافارية بحكم أصول غالبية قاطني هذه الاحياء التي تشبة الجيتو ..
فمثلا السيدة (كاتي شتادلر) زاولت هناك وخلال فترة الثلاثينات من القرن العشرين صناعة الطعام البافاري حيث حكى ابنها شارلز كيف كانت والدته تصنع سلطة البطاطس في طنجرة معدنية كبيرة مع الملح والفلفل والتوابل الأخرى..وكيف كان السكان من أصول المانية يستمتعون بشرب البيرة النظامية بعد هذه الوجبة البافارية اللذيذة..هذه البيرة التي كانت تصنعها اختها ايما والتي استطاعت شراء بيت من خلال عملها المتقن في صناعة البيرة ذات الطعم البافاري المميز ..
قرب تماثيل القديسين والسيدة العذراء وابريق القهوة كانت كاتي تضع فرشاة الملابس، تلك الفرشاة التي رافقتها من المانيا إلى امريكا، تحمل ذكريات سبع سنوات كاملة في المانيا (الغابات البافارية) عندما كانت صغيرة، الطريف ان هذه الفرشاة يمكن رؤيتها الآن في متحف الهجرة والمهاجرين في المدينة (Schiefweg ) ..
أما الشاعرة البافارية ايميرتز ماير فقد قدمت أيضا من نفس المنطقة وتحديدا من منطقة (هيرتزاوجسريوت) فقد عملت في تنظيف ارضيات بيوت الأغنياء الامريكان كما عملت في تخمير البيرة، وتذكر كم تعرضت للتحرش من قبل الرجال الامريكان خلال عملها ..
الشاعرة ماير كتبت لإحدى صديقاتها عام 1919 (وهي الفترة الغوغائية التي انتشر فيها موجات حقد وعداء للالمان نتيجة الحرب العالمية الاولى..) تطلب منها ان ترسل لها فطرا بافاريا مغلفا بحفنة تراب من ارض الوطن..
وفي تلك الاثناء حيث اجتاحت بعض مناطق العالم موجات كره ضد الألمان أطلقت الشرطة في شيكاجو النار على ما كان يطلق عليه (عدو امريكا) جون ديلينجر القادم من منطقة رايم اوند سريوت في ولاية بايرن أيضا…، ونتيجة لكل هذه المعاناة في بلد شكلت يوما حلما ورديا للاجئين الألمان توصل المهاجرون إلى القول التالي:
(لايمكن للانسان البافاري أن يصبح مليونيرا من غسيل الصحون).
الكاتب فريدمان فيجرت – مجلة فراي بليك الألمانية التي تصدر في مدينة فرايونغ تشرين الاول 2016
صحفي سوري ـ ألمانيا | موقع قلم رصاص الثقافي