هناء الصلال |
نعشق كل تلك الأمكنة وهي أجزاءنا الممزقة على امتداد تلك البقعة الجغرافية التي تسمى وطن..في رحلة الشتات وهذه الرحلة من حسنات (الثورة) كما يسمونها وأنا اسميها (الأزمة) انفتاحنا على المدن السورية لأسباب عدة منها التحصيل العلمي أو لأسباب مرضية كون دولة (الخلافة) – يارعاكم الله – منعت العلم وهجرت العلماء والأطباء بسبب زيادة دلالها لنا..وفي صيف 2014 اضطررنا للسفر إلى مدينة حمص من أجل تقديم الامتحانات (وعساها مي على ندم)..
بعد تجاوز مدينة السلمية تستقبلك بساتين الكرم والزيتون بمظهر شهي ومرعب لشدة جمالها سبحان من كوّنها.. شعرت بروحي ترتوي بسحر هذه الأرض وبأن قلبي يسكنها من قبل الحرب..عندما تدخل حمص من دير بعلبا يتغير المشهد تماماً تدرك ساعتها لعنة الحرب.. تلك اللعنة التي شوهت الأمكنة وأحالت ذلك الدير لمدينة أشباح لا ترى فيها أحد.. ورغم الخراب والدمار تشي الأشجار الشامخة التي قاومت رشقات المدافع بسر الحياة المنبعثة من روائها المختلفة (النارنج، الرمان، العنب، الزيتون، المشمش) تؤكد لك الاستمرار وأن الأماني ما زالت ممكنة..
تدقيق وتفتيش وحواجز تثير الضيق في النفس، وتطلب بعد ذلك العناء الأمان لهذه المدينة الخالدة العصية على النسيان.. يسر الله لنا السكن وجرت الأمور على أفضل وجه.. وحدث ما لم نتوقع حدوثه انفجار بالقرب من البيت الذي سكنا فيه، في منطقة الزاهرة، فقال لنا صاحب المنزل نحتاج لموافقة المختار للسكن بعد الذي حدث لأننا اخترنا عن جهل المكان الخطأ، فكل المنطقة أرمن وعلوية وبسبب ندرة البيوت في حمص بعد نزوح سكان الريف إلى المدينة ودمار قسم منها فالمناطق المؤهلة للحياة محدودة..
ذهبت مع بداية الصباح إلى المختار ولم أجده كان أخٌ له ورجل يعمل في المكتب وشرحت له سبب نزولنا إلى حمص وطلب صاحب البيت الذي استضافنا..فكان رده أجمل من كل شعارات ثورتهم العفنة أن بيوتنا مفتوحة لكم لا تحملي أي همّ فنحن أهل وكلنا أبناء هذا الوطن.. أتخيل لوأن العكس ماحصل لجزت داعش رؤوسهم جميعاً وعلقتها على دوار الجحيم وكتبت تهمتهم الكفر..
في كل المحلات التي كنت أدخلها يوجد (قرآن كريم) والسيدة صاحبة البقالة بجانب بيتنا كانت تقرأ فيه كل صباح عندما أنزل لإحضار الخبز منها.. ورغم الفقر بسبة الظروف الخائنة لكنهم أغنياء بتلك الأخلاق فضعف الحال لم يمنعهم من واجب إكرام الضيف دائماً أنت مدعو للمتة أوالقهوة المرة كتقليد متوارث لدى أهلها فأنت في مدينة ابن الوليد ولاعجب.. وتعاطفهم بقلب طيب عندما يعلمون سبب مجيئنا فتردد الألسن (يفرجا الله، بيعين الله) فأتساءل كالبلهاء أليس الله هو ذاته الله الذي يدعونه بالعون والفرج..؟؟
ورغم كل ما فيها من انفجارات ودمار تطمئن النفس في رحابها وأكتشف سر لجوء ابن الوليد لأحضانها عندما كانت تضيق به النفس .. حماك الله يا حمص يا فردوس أمجادنا وجرح القلب ونورالعين في ظلامها يا واحة الشوق للأمس سيعود الأمل بغدٍ أجمل من كل الأمسيات العاصفة بالحنين والشوق لوطن يحتضن أرواحنا المرهقة من الحرب الحالمة بالحب..
ونفس المشاهد تكررت في اللاذقية لنفس السبب لماذا نقول اليوم بالذات ولم نقلها قبل الحرب..(كردي، سني، علوي، مرشدي، درزي، اسماعيلي) ألم نكن قبل هذا وذاك سوريين..ألم نكن نتباهى بوطنيتنا واليوم نحن نتمزق والفدرالية تلوح بيدها للشعب الذي عاش وهم وحلم الحرية والمستقبل الأفضل..ادعو كل أصحاب الحريات للجلوس على طاولة الحرب وخياطة الأكفان لكل سوري قضى فيها بلا ذنب، أخالهم سيدركهم الموت قبل إنجاز العمل..ومن أجل من؟؟
يا وجع قلبي يا وطني…. أطاح بك الحسد وتكالبت عليك وحوش الأرض.. ما شفاء أوجاعي ما دام الجرح بك ينزف ..أريد أن أقسم لهم أنهم بلغوا الهدف فلينسحبوا لنداوي الجرح ونلملم خيباتنا ورغم جرحك ما زالوا يلهثون يحلمون بدمارأكبر وبنهرمن الدم أغزر.. فقط في وطني يرقص الموت على الجثث..فقط في وطني تدق طبول الحرب وتعزف موسيقا الجنائز وتدفن الأجساد بالجموع وتهاجر الأرواح كسرب حمام يعانق ملكوت السماوات..
في اليمن للموت نكهة التوت وفي فلسطين الموت بطعم العسل لا يثير حمية القوم .. والأطفال تقتل بالورود ولا ضرر ولا قاتل متهم ولا دماء تشهد على جرائم الحروب..أما في وطني فكل طفل يقتل بألف طريقة وكل أمٍ بألف جحيم تتعذب والموت لعبة الإختباء تحت مظلة الدين والفساد ..وحب الوطن ذريعة للانتقام والحرية شعارات مزيفة تدهسها النعال على الأرصفة أرصفة التسول لطلب ثمن الإنسانية المنتهكة بلا ذريعة أوسبب..
موقع قلم رصاص الثقافي