عمار عكّاش |
صغارٌ مثل الحصى الملوّنِ بطحالب الينابيع، جلسوا يتناولون عشاءهم الفقيرَ، لم يسعفهم الهواء على إكمال عشائهم، كأنّ السعال الشتوي الذي أصابني مثل الغولة أمسك بي يا أبتي ولن يتركني هذه المرّة، الساحرة الشعثاء على مكنستها جاءتني أسرع من الطائرة تأخذني معها.
سقطوا قرب بعضهم، على وجوههم أصيافٌ وشتاءاتٌ ارتسمتْ، ثم عمّ الجمادُ وجوهم مثل تقاطيع صخرٍ، مثل غصنٍ وحيدٍ يابس قربَ التينة العامرة. جامدةٌ وجوهم مثل دُماهُم، لكن دُماهُم ماتت أيضاً، فالدمى دون أطفالها لا تعيشُ ولا تنطقُ، الدمى جماداً مطلقاً تصيرُ حين لا يتنازع صبيّان عليها، الدمى تختنق قرب أطفالها. لا طفلَ يهمس في أذنها ويحكي لها عن أشهى بسكوتٍ دلّلَ نفسه به، وعن شوقه لشوكولا تسيل في فمّه مثل الفردوس الذي سيأتي عنوةً بعد قليل في خيال آبائِهم كي يصبروا، لن يحكي طفلٌ لدميته عن السمّان أبو أحمد الذي غادر إلى تركيا وترك رفوفه فارغةً لا تحفل بالعجائب.
القرية يتيمةٌ دون طفلٍ يعدو على طينها إلى الدكّان، قابضاً على النقود المعدنية في يديه، مُحكِماً عليها كي كي لا تسقط في الطريق وتسرقها الجنيّةُ الصغيرة.
كان ثمة أطفالٌ شقرٌ جميلون أيضاً يأكلونَ عشائهم الأشقر الملوّن، ينطقون فرحهم بلغة شقراء، تمتلئ معدتهم الشقراء.
أمسك الطفل دميته بعد العشاء، كان وجه الطفل أشقر حياً جميلاً مثل وعود الحياة، وكانت دميتهُ طفلةً متورّدة الخدين، فالدمى تحيا متى أمسكها أطفالها وهمسوا في أذنها.
كان الأب أمام التلفاز، شاهد وجوهَ أطفال ممددّين مثل الدمى الجامدة، ثيابهم المهلّلة وحجارة القرية جعلت المشهد بعيداً، أطلق نهدةً من أوتاماتيك: أوه، أسعفه جهاز التحكم لينتقل إلى محطة أخرى، لا بد من ترويحٍ عن النفس بعد العمل، لا بد من أن تكون إيجابياً جداً، وتشهد ما يتخمك فرحاً وبلادةً كي تتحضر لنهار جديدٍ.