الرئيسية » مبراة » ضياع الهوية والانتماء

ضياع الهوية والانتماء

يُذكرني منبه هاتفي أن لدي دعوة من السيد روبين، وهو صديق بلجيكي تعرفت إليه قبل فترة، وهو من المهتمين بالشأن السوري ومن المتابعين لأدق تفاصيل الأحداث السورية تاريخياً وفي الحاضر أيضاً، ولا أعتقد أن اهتمام الرجل مرده زواجه من فتاة سورية وحسب، لكن يبدو أن الأمر أكبر من ذلك، ولن أستغرب مثل هذا لأنني حين سكنت في بلدتي الحالية أخبرني أحد السكان المحليين أن عشرات السوريين كانوا قد ماتوا هنا دفاعاً عن هذه الأرض البلجيكية وما زالت قبورهم هنا حتى الآن.

وبالعودة إلى دعوة السيد روبين لا تستغربوا إن أخبرتكم إنها دعوة لحضور فعاليةاحتفاءً بعيد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية، هذه الفعالية ينظمها ويُقيمها السيد روبين ويدعو بعض الأصدقاء والمعارف من السوريين لحضورها والمشاركة فعالياتها، لفتني ذلك كثيراً وتذكرت بعض المواقف التي جرت معي خلال إقامتي في بيروت، إذ في عام 2013 كان الأمريكيون يتأهبون لتوجيه ضربة عسكرية لسورية، تلك الليلة لم ينم زملاء سكني وهم سوريون بانتظار أن تقصف الصواريخ الأمريكية دمشق، وكانوا يسخرون من اعتصام بعض الشباب السوريين على سفح جبل قاسيون، إلا أن الولايات المتحدة خيبت أملهم، ومع كل تهديد جديد كانت آمالهم تخيب في آخر لحظة.

وفي إحدى سهراتنا كان الحديث عن احتلال المستعمر الفرنسي لسورية، والمقاومة السورية للاحتلال ومحاولة منع الفرنسيين من دخول دمشق، رغم عدم تكافؤ القوى العسكرية والبشرية، كان الحديث عادياً إلى أن نطق أحد الزملاء وهو حقوقي سوري وقال: “ليس يوسف العظمة إلا معتوه حاول التصدي لفرنسا العظمى، أما إبراهيم هنانو ورفاقه هم شلة زعران”، لم أسمح له أن يتابع حديثه وقد بدا انفعالي واضحاً من نبرة صوتي، وأنا أزجره وأنهره عن متابعة مثل هذا الحديث، وأن عليه التمييز بين معارضته للنظام السوري وبين الإساءة إلى رموز وطنية يعتز بها كل سوري وطني.

بعد ذلك رأيت شباباً سوريين وهم يمزقون جوازات سفرهم السورية بعد وصولهم إلى أوروبا، ويكسرون بطاقاتهم الشخصية (الهوية السورية)، طبعاً يترافق ذلك مع بهجة وأجواء احتفالية يعكس من خلالها السوريين فرحهم الشديد بالتخلص من رجس هذه الهوية. إن ما نراه ونسمع عنه بهذا الشأن لمؤسف، أن ترى شباباً لا يميزون بين الانتماء لسورية كوطن وهوية وانتماء، وبين معارضة النظام والمطالبة بالحرية والكرامة التي تحولت إلى شماعة لتدمير البلد. 

يُحقّر بعض السوريين هويتهم الأم ويحاولون الانسلاخ عنها طواعية، رغم أنك تجدهم في أوروبا ينضوون تحت انتماءات ضيقة جداً مثل العشيرة والطائفة والمناطقية والمصالح، ويحز بالنفس أن ترى الكثير من السوريين يطالبون تركيا بضم المدن الشمالية من سورية إلى الجمهورية التركية، ويحاول البعض تبرير ذلك بسوء النظام الحاكم وسطوة الاستبداد إلا أن ذلك لا يبرر هذا الفعل المُشين الذي يُعتبر خيانة عُظمى، وما دام السوريون لم يجتمعوا ويرصوا صفوفهم مع كل حديث عن عدوان خارجي على سورية لن يجتمع شملهم مجدداً وستبقى هويتهم ضائعة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *