الرئيسية » رصاص ناعم » الكاتبة سوزان سونتاغ : كتابة المقالات عمل شاق

الكاتبة سوزان سونتاغ : كتابة المقالات عمل شاق

حوار: عاصف الخالدي  |

عُقد هذا الحوار، قبل وفاة سوزان سونتاغ بتسع سنوات، لم تكمل عقداً كاملاً بعده، وكانت قد عاشت حيوات كثيرة أخرى مع الكتب والتحقيقات الصحفية والشعر وغيرها، أما حياتها هي، فأظنها تسربت من خلال ما كانت تعيد إنتاجه خاصة في حياتها المهنية في الصحافة والمسرح ومن خلال مذكراتها الخاصة، ما يمكن جمعه عن سوزان سونتاغ، يشبه قطعات فسيفساء صغيرة، تظهر من خلالها شخصيتها وأفكارها . حيث لم تكن تحتل في شقتها القابعة في الطابق العلوي لمبنى كبير في منهاتن، لم تكن تحتل سوى مساحة جسدها بالفعل، أما باقي الشقة، فكانت تحوي خمسة عشر ألف كتاباً، وعدداً لا يستهان به من الأوراق ودفاتر الملاحظات والصحف. عدا عن لوحات لأماكن متنوعة معلقة هنا وهناك بسبب ولعها بالتصوير المعماري، أما على طاولتها الصغيرة، فهنالك كتب عديدة في الفلسفة والفيزياء والأدب، توزع عقلها بينها كلها. إضافة لكتب تاريخ الموسيقى والفن. اشتهرت سونتاغ بتقاريرها الصحفية العميقة أدبياً، واللاذعة سياسياً، زارت فيتنام والبوسنة في زمن الحرب، وظلت مولعة بتتبع أي فكرة بغض النظر عما ستقود إليه أو إلى أين ستوصل. المميز في شقة سوزان سونتاغ هو مطبخها، الذي يحوي آلة للفاكس، وآلة تصوير أيضاً إضافة لآلات وأدوات المطبخ، هناك أيضاً، كانت تمضي ما لا يقل عن سبع ساعات في اليوم وهي تكتب وتعمل. سوزان سونتاغ، الكاتبة والصحفية الأامريكية المولودة عام 1933، توفيت في العام 2004، وكانت قد عاشت حيوات كثيرة أخرى. أجري هذا الحوار معها عام 1995.

* هل تمانعين لو أطلقت عليك لقب مفكرة أو مثقفة؟

– باعتقادي أنه لا يجب أن تلصق بي أي كلمة من هذه الكلمات، إذ تبدو بالنسبة لي مجرد صفة ولكنها ليست اسماً في النهاية، حين أقبل هذه الصفة إضافة لكوني امرأة بالطبع، فإنني سوف أقبل أن أكون في صراع مع ما هو سائد، بين القلب والعقل، بين الفكر والمشاعر، بين المقبول والمرفوض ، وإلخ.

* إذن، هل تنتمين للتيار النسوي، هل تعتبرين نفسك نسوية؟

– حسناً، هذا أحد الشعارات القليلة التي أهتم بمحتواها، ولكن، أليس مجرد تسمية هو الآخر؟ إنني أشك فيه أيضاً، مثلما أشك في معظم الشعارات.

* حسناً، بمن تأثرت من الكاتبات النساء، لو أمكن أن تخبرينا؟

– جين أوستن، آنا أخماتوفا، فيرجينيا وولف، إميلي ديكنسون، والقائمة تطول، وربما في إطار الكتابة والإطار العام، أتعامل معهن كصوت ثقافي مميز، وكأقلية،أقول ربما، وأشجع وأتابع الكتابة النسائية، لكن على صعيدي الشخصي، فإنني أشجع وأحترم كل عمل أدبي مميز، لرجل أو امرأة، ليس هناك واحد منهما، أقل من الآخر.

* كتابك الأول ككاتبة كان رواية:الهبة. ولكنك ومنذ نشرها، صرت تكتبين المقالات وأدب الرحلات والقصص والمسرح، يا ترى، هل بدأت بنص سردي ما ذات يوم، بأحد هذه الأشكال الأدبية وقمت بتحويله إلى شكل آخر فيما بعد؟

–  في الواقع لا، إنني ومنذ أن أبدا بأي نص، فإنني أكون قد حددت شكله، على الأقل، أكون عارفة بهيئته وأسلوبه، أحدد منذ البداية نوع النص السردي، ولا أظنني أستطيع توضيح هذا بأفضل مما وضحه نابوكوف بقوله: قالب النص، يسبق محتواه بكل الأحوال.

* كيف تقيمين ذكائك كروائية أو كاتبة؟

– روايتي الأولى: الهبة، كتبتها بسرعة في الحقيقة، خلال عام، وكنت أكتب خلال العطلات، ذلك أنني كنت في ذلك الحين أدرس في قسم الديانات بجامعة كولومبيا، وأثر بي ذلك مما جعلني أظن بسهولة كتابة تلك الرواية التي تتحدث عن مهرطق غنوصي يخوض رحلة في عالم الأفكار الدينية، نعم، في البداية أتت المقالات سهلة، وكذلك بعد المؤلفات الأخرى، لكنني لا أظن أن الكتابة تصير أسهل مع مرور الزمن، وحتى مع التدريب، بل على العكس، تزداد عمقاً وصعوبة.

* وكيف تبدأ فكرة مخطوط لعمل ما بالنسبة لديك؟

– غالباً ما تبدأ من جملة، أو أكثر، أو من مشهد، ومن ثم، فإن هذه الجملة تكون جملة البداية، ولكن ليس دائماً، فأحياناً، تكون تلك الجملة الموحية، جملة النهاية، وهكذا، أبحث عن بداية.

* إذن: كيف تبدأين الكتابة عادة؟

– من القراءة، وغالباً ما تكون قراءتي بعيدة عما سوف أكتبه، أقرأ في تاريخ الفن والفن المعماري، في الموسيقى، والكتب الأكاديمية المتنوعة، أقوم بمماطلة الكتابة قليلاً بالقراءة والاستماع للموسيقى، لأن ذلك يشحنني بشكل جيد، ويجعلني أشعر بالذنب كذلك، لأنني لم أكتب بعد، وهذا هو المهم.

* هل تجدين فرقاً بين كتابتك للمقالات وكتابة السرد؟

– برأيي، كتابة المقالات عمل شاق أكثر، حيث تتنوع المسودات والأفكار وتختلف، ولكن، تظل البداية في المقال أو فكرته الأساسية، مرتبطة بنهايته، وتحتاج لتسلسل منطقي وموضوعي مهما خطر لي من أفكار أخرى، أما السرد، فأجده أسهل نوعاً ما، فمنذ البداية، تظهر الأساسيات، والعناصر الجاذبة والجماليات والحدث، وتحوم حول الفكرة، على عكس المقال برأيي.

* هل تعتقدين أن كتابتك للمقال، تختلف عن كتابتك للسرد، بمعنى آخر، هل يأتي كل فن منهما من جزء مختلف منك؟

– بالطبع، لأنني أرى المقالة شكلاً مقيداً بضوابط وأطر ما، أما السرد فأراه مثالاً للحرية، حيث يمكن سرد القصص فيه بحرية، ويمكن الاستطراد، أما المقال فلا، المقال شكل غير استطرادي أصلاً، وبمعنى آخر، السرد الأدبي يكون مصحوباً دوماً بصوت ( راوي، شخصية). أما المقال، فلا.

* هل تقرأين أي مراجعة لأعمالك الأدبية؟

بالطبع لا، أبداً، أي قراءة حتى لو كانت تعتبر عملي جيداً فإنني لا أقرأها، بالنسبة لي كل القراءات لا تقدم لي شيئاً، وربما تبغضني، لكن أصدقائي المقربين يقدمون لي ملاحظات في بعض الأحيان.

* هل ترين أن الأدب يقدم سعادة ما؟

– بالتأكيد، لكنني أظنها سعادة أقل من سعادة الموسيقى والرقص مثلاً، إذ أن الأدب عادة مسألة تخص العقل، وهو موضوع في الكتب، والكتاب برأيي، يستحق القراءة لمرة واحدة، ولا متعة في تكراره كما الموسيقى مثلاً. أنا مثلاً، لا أعيد قراءة مؤلفاتي.

* في بداية مقالتك المشهورة: ملاحظات عن مخيم، والتي نشرت عام 1964، قلت في مقدمتها، أن تعاطفك العظيم، نتج أولا عن اشمئزاز!. وكنت طوال الوقت مخيرة بين أن تكتبي أ ولا، أن تلتقطي الصور أو لا، أن تتعاطفي أو لا، علما أنك كنت في ثلاث حروب، منها فيتنام والبوسنة؟

– الأمر أبسط من هذا، وليس كما يبدو، ربما يكون هذا أو ذاك، نعم أو لا، لكنهما في النهاية واحد، يقودان إلى ما يقال، وما نشعر به، إذ أن كل ضد يعرف بالآخر. الحزن والاشمئزاز، يقودانني للبحث والكتابة، ويجلبان سعادة  وإنجازاً، ثم تقودك سعادة ما للكتابة عن حزن وإنجاز آخر، إنني أتذكر هنا كلام هنري جيمس: لا توجد عندي كلمة أخيرة بحق أي شيء، هنالك دوما المزيد ليقال، والمزيد لكي نشعر به.

* شكراً، وفي النهاية: هل تفكرين في جمهور كتبك من القراء؟

– لا أفكر بجمهوري وقراءي، إنني لا أكتب لأن هنالك قراء، بل أكتب في الأساس، لأن هنالك أدب. شكراً.

 

الحوار مترجم عن مجلة:
 The Paris review issue 141

 روائي ومترجم من الأردن | مجلة قلم رصاص الثقافية

[email protected]

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *