الرئيسية » رصاص حي » مثقف أم مستثقف؟

مثقف أم مستثقف؟

أحمد كرحوت  | 

عزيزي المثقف قبل أن تعلن نفسك صاحب منصب وشاغر كرسي في وسط الثقافة هل تعرف حقاً ما هي الثقافة ومن هو المثقف، هل الثقافة والمثقف وجهان لعملة واحدة أم أن النصابات تختلف بين المصطلحين من النواحي البراغماتية ولا يتشابهان إلا من الناحية اللفظية اللغوية؟

الثقافة بنطاق أوسع، فضاء غير قابل للتعبئة، لا ثقافة بدون حوار ولا حوار بدون علم ولا علم بدون تفكير وتقصي ولا تفكير بدون تأمل ولا تأمل بدون اطلاع، الثقافة هي زيادة بلا نقصان وهي الكل وهي الجزء من كل شيء، أي أن تعلم حول كل شيء، لكن إن كانت الثقافة هي صقل وتأثر بالمجتمع فهل الإنسان وحده المعني بهذه المفردة؟

النمل مثلاً مجتمع منظم وله سياساته وحروبه ومواسم عمل وكساد ألا تعتبر هذه ثقافة؟ نعم بالطبع إنها ثقافة النمل، لكن هل يمكن أن أقول للنملة التي تحمل حبة قمح أكبر من ذويها بأنها مثقفة مثلاً بما أن معنى المثقف لدى العامة والأغلبية هي أن يكون الفرد مميزاً عن غيره ويتحلى بصفات خاصة نسبياً كمعيار عدد المشاهدات على يوتيوب مثلاً لدرجة أن لاعب كرة القدم صار من كبار المثقفين والسباح مثقف عظيم وسائق الدراجة النارية الذي “يشبّ” مقدمة الدراجة وسط الشوارع الضيقة المزدحمة في الريف الجنوبي لدمشق صار بائع ثقافات معتمد، والضابط الذي لم تعد يده تتورم من صفع المراهقين المتهمين بعدم حيازة هوية شخصية على أحد الحواجز أو من مداعبة جسد بنت هوى تصفعه مئة كف وهو يضحك.. إن كان هذا مسؤول ثقافة بعمل مكلّف بعد الظهر، وإن كان الشاذ والقواد والمومس ومغني الملاهي والطبال والزمار وأعضاء مجلس الشعب وممثلي البلاد في الأمم المتحدة والممثلين علينا إن كان هؤلاء كلهم مثقفين بحسب مفهومك الجامد المقولب الجاهز فما هو مكان الفلاح وعامل البناء وبائع الخضار والدّهّان والبقّال… وإن كانوا بنظرك مثقفون أيضاً فبأي حق تجمع رمل الصحراء الذي لا ينتج إلا غباراً بالغيوم الماطرة والممطرة !

الثقافة في مفهومها اللغوي وحسب ورودها في معجم اللغة.. تعني صقل النفس أي ضبط السلوك والحذر في الكلام والعمل على اختيار مفردات منمقة تنمّ عن عقل متزن مصقول بـ (ثقافة) مجتمع متكامل بإيجابياته فقط، وكأن كلمة ثقافة محصورة بيوتوبيا الزمن الراهن، أما كلمة مثقف فهي تعني “القلم المبريّ” نعم إنه القلم المثقف، القلم المبرود، القلم ذو النصل الحاد، القلم الجاهز للكتابة، القلم المصقول بعيداً عن أي شيء آخر، القلم المبري لدرجة أن يكون كإبرة تخترق الكثيف، كمخرز للضعيف، وكسكين يخترق الورقة يبدد سطورها يقتل بياضها يحيي جثث عبيد ويقتل ملوك وصعاليك.

عزيزي المثقف إن لم يكن لديك قلم رصاص مبريّ دائماً ومرافق دائم لك في الحل والترحال فلا نصيب لك من هذه الكلمة والأفضل أن تستخدم كلمة، ثقّف الشيء أي أقام المعوج منه وسواه وثقف الإنسان أي أدّبه وهذّبه أي أنسنه وهي تقال للطفل الذي يبدأ الاكتساب من محيطه بعيداً عن ثقافة الرضاعة.

فالأنثروبولوجيا والتي تعد المقرر الرئيسي لكل فرع جامعي يدرس في الكليات سواء كان علمياً أدبياً أو فنياً تقوم برمتها على عبارة تبدأ دائماً أولى كتبها “إن كل إنسان مستثقَف بقدر ما أعطته الحياة أو مستثقِف بقدر ما أعطى للحياة..!

شاعر سوري  | مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

“الطريق إلى المرمى” مجموعة قصصية للكاتب هاني الصبيحي

صدرت عن دار الخليج للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان مجموعة قصصية للكاتب الأردني هاني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *