إذا سألنا أنفسنا ما هي أهداف الحروب التي تم إشعالها في العالم العربي؟ سنجد أن الإجابات متنوعة، بعضها ستكون من أجل الديمقراطية والحرية، وبعضها الآخر سيكون من أجل النفط والغاز، وهناك من سيقول من أجل بث الفتنة وإضعاف العرب، وهناك من يرى أنها صراع عالمي بين قطبين، وربما بين كنيستين أو بين طائفتين، إذن ستتعدد الإجابات.
وكل الإجابات السابقة هي صحيحة على اختلاف نسبة الحقيقة فيها، إلا أن الأهم من كل ما تم طرحه آنفاً هو جعل الحرب والاقتتال ذريعة لتحطيم منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية التي كانت إلى الأمس القريب حاضرة في المجتمع العربي.
إلا أنها أخذت تتلاشى رويداً رويداً إلى أن وصلت إلى مراحل متأخرة جداً وقد اختفت نهائياً في بعض المفاصل الاجتماعية، لست أبالغ إذا قلت: إننا كنا نتمتع بمنظومة جيدة نوعاً ما بالنسبة لغيرها على الأقل اجتماعياً وأخلاقياً ـ أو ربما هذا ما كنت أظنه ـ فالاحترام كان أس العلاقة الاجتماعية مع الأهل والأقارب والجيران، حتى أن ثقافة العيب التي كانت سائدة وننتقدها كثيراً لتسلطها على حياتنا ليس بوسعنا اليوم أن ننكر أنها كانت ضابطة جيدة إلى حد ما في بعض المواقف الأخلاقية التي كانت تحكمها.
إن وسائل التواصل الاجتماعي التي قدمها الغرب مجاناً لشعوب المنطقة ليست إلا الفخ الذي وقعنا فيه دون أن نشعر، لنكتشف ببساطة أن مجتمعاتنا أساساً كانت مبنية على رمال متحركة وأساسات متداعية انهارت دفعة واحدة عند أول اهتزاز، وبدل أن تتماسك في وجه ما تتعرض له راحت مُسلمة بالأمر الواقع ومبدية رغبة عارمة بالانسلاخ عن كل ما حولها، ولم يعد الناس يشعرون بالحرج إن هللوا للدبابات الأمريكية التي تجتاح بلادهم ولا يخفون وجوههم حين يفعلون ذلك بل أن بعض النساء يزغردن لذلك، هل سنستغرب؟ بالنسبة لي لم أستغرب ما رأيته أبداً لكن لو تساءلنا ما الذي جرى؟ وما الذي يجري؟
الجواب في التعليقات، لا تستغربوا ذلك، هل فكرتم مرة بمتابعة التعليقات، التعليقات في صفحات التواصل الاجتماعي تعطيك صورة جيدة وواقعية عن حالة المجتمع ووضع قاعدته العريضة أي الجماهير، إذا اعتبرنا أن الأقلية النخبوية هي التي تكتب وتبث وتقدم كل تلك السموم على طبق من ذهب للمتلقين الذين يتلاقفون القشور ويتعلقون بها، ويدافعون عنها وكأنها حقائق إلهية، تابعوا التعليقات وشاهدوا مدى الوضاعة والانحطاط الذي صار السمة الأبرز لمجتمعاتنا، فلا احترام لقريب أو صديق أو جار أو قامة أدبية أو ثقافية أو علمية، على العكس تماماً تجد أن المقصود هو الإساءة للقامات وتسخيفها وتحقيرها، حتى تلك التي لم تشارك أو تؤيد القتل وليس لها في تلك الحرب لا ناقة ولا جمل، إلا أن ذلك لم يجعلها بعيدة عن الاستهداف.
القيم والأخلاق لم تعد تهم أحد وكأننا في كابوس طويل، كل ما يهم الناس فيه حرق كل شيء، تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم. اليوم وقد صرنا في السنة السادسة من الحرب التي تشهدها بلادنا الكل يتحدث عن إعادة إعمار الحجر، وربما قد تقاسمت شركات عالمية كبرى مشاريع إعادة الإعمار، إلا أن أحداً لم يفكر بإعادة إعمار البشر من خلال تمكين المنظومة الأخلاقية وجعلها بشكل فعلي ضابطة حقيقية للمجتمع الذي انهار.
مجلة قلم رصاص الثقافية