زيد قطريب |
لا تصوّر رولا أبو صالح طفولة الحرب، لكنها تعود إلى أطفال الخسارات والأمل كي تكشف الستار عن حجم الفداحة التي عصفت بالناس!. صحيح أن الأمل مزروع في سلوكيات الصغار العفوية، لكن هذه العودة الأسلوبية إلى الإنسان الطفل دليل يأس من الإنسان الكبير عملياً.. الأسلوب في هذا الإطار يعدّ جديداً لأنه ينطوي على نهجٍ في بناء اللوحة حاولت رولا من خلاله البحث عن خصوصيتها في الرسم كي لا تشبه أحداً وخاصة أن المعرض هو الإطلالة الأولى على مشهد مزدحم بالأسماء والمهارات!.
اللعب بالكارثة والتماهي مع الهول أحد مهارات رولا في الشكل والمضمون، هذه القاعدة النظرية أنتجت عبرها عدة لوحات تنتمي إلى القناعة نفسها، فعلى حدّ الخطر يمكن تفكيك الرعب بشكل أكبر، وهو ما يعني الدمج بين الهاوية والقمة عبر تحويل ألعاب الأطفال إلى مخاطر في بعض اللوحات مع حرص الفنانة على زرع البسمة على الوجوه بشكل مفارقات كأنهم يحابون الموت كي يتغلبوا عليه!.
في اللوحات وجوه سعيدة إلى جانب وجوه ينال منها الوجوم والفقر والاهتراء، بعضها يميل إلى اللون الأحمر الذي يعدّ الملك في معظم الأعمال، وأخرى تغرق في الرماديات والبياض كأنها تحمل معها الانبلاجات، وإذا ما أردنا القبض على البوصلة التي تتحرك بها هذه اللوحات علينا التحديق في العيون جيداً، فغالباً ما يطل وجه من بين الزحام اللوني بمقولة ما.. فرغم أن رولا لا ترسم مجموعات من البورتريهات، إلا أن مقولة «سيماهم في وجوههم» تنطبق تماماً على أولئك البشر الصغار الذين حلوا مكان الرجال الغائبين في المعارك واحتمالات الحروب…
شجارات الأطفال هي معارك عملياً، لكنها أكثر براءة مما يحدث، وسيكون من الطبيعي أن تتمناها رولا كحرب عابرة تنتهي بلمح البصر ليعود كل شيء إلى ما كان عليه.. وفي جانب آخر فإن تباين الوجوه بين الخجل والخوف والأمل والفرح، يشير إلى تباين الناس والمواقف واختلاف درجة المعاناة.. في هذه اللوحات استندت أبو صالح إلى الأطفال لاختصار ما يفعله الرجال أو كبار السن.. إنها احتمالات الحرب وكارثية الظروف عبر لعبة طفلية تكشف كل الاحتمالات التي تجري في الظل.. تختار أن تأتي بلعبة شد الحبل بين فريقين، لكنها تجعل الخلافات بين الفريق نفسه سيدة الموقف كما تظهر عبر اللون معنى الاغتيال والغدر الذي يمكن أن يتعرض له الأفراد أثناء الانهماك باللعب على هذا المستوى من الخطورة، هكذا تظهر مقولات الأعمال عميقة جداً وتحمل دلالات بعضها قصدي تماماً وبعضها الآخر ينسجم مع نهر العفوية المتدفق الذي يميز تجربة رولا في تلوينها واشتغالها على الفكرة الإنسيابية التي ميزت معرضها الأول، فنحن هنا يمكن أن نعثر على الاختلاف في المفاجآت العالية التي رسمتها، وهي أسلوبية تسجل للفنانة وتتلخص في اختصار الحروب الكبرى بحروب أكثر براءة وبساطة لكنها مشحونة ومطعمة بما يجري على الأرض!.
لوحات المعرض مشغولة بأناة وتعب، فالتفاصيل الموجودة في كل عمل، تؤكد أن رولا رسمت التفاصيل الدقيقة لكل طفل وهي قصدية مسبقة اعتمدتها الفنانة كي تظهر التباين الكبير مع الجانب الثاني الذي سميناه التلاشي والتشظي، إنه تباين الأضداد المتجاورة التي تشرح حقيقة المجريات.. الأطفال يضعون أيديهم في جيوبهم.. يحدقون في المجهول.. يرفعون أصابعهم أمام أفواههم دلالة على الهول.. الأطفال يديرون ظهورهم للكارثة كي لا تراهم عندما تحين لحظة المواجهة.. رولا نفسها تأتي بشخصياتها من الجوار والأسرة دلالة على حجم القلق الذي يعصف بها حول قبائل الملائكة الذين حولتهم في هذه اللوحات إلى شواهد وشهداء ومنتظرين في قطار الحرب الطويل!.
تشرين | موقع قلم رصاص الثقافي