الرئيسية » رصاص ناعم » الرقة بين ذكرى وحلم…

الرقة بين ذكرى وحلم…

هناء الصلال  |

مدينة تخلع على أعتابها أسلاب الحياة .. لا صوت لها ترتيلتها الوحيدة أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن..
تلقي السلام لأي عابر بها فالكل يحسبها مسقط رأسه عن وهم ..مدينة تعطيك كل ما تريد من شغف الحياة فالحب كمسك وذريرة جدتي يجذبك من شرفات المنازل إلى ضفاف الفرات كالحلم ..تتحرش بذاكرتي التي أضناها الانتظار وكيف للوداع أن يثمر بلقاء أجهضته المسافات بين الرقة والألم..

أذكرها تلك الفاتنة التي تتواطئ مع الحب فترمي شباكها أمام كل عابر فلا مفر ّستقع فريسة الوله رغم الحذر..ماضيها حكايات تذكرني بجدتي عندما تحمل شل الصوف لتغسله بماء النهر الجاري بأجواء يحوفها الفرح والتذمر من الحسك العالق بالجزز بسبب الوخز والألم ..تطوي المسافات بين الماضي والذاكرة التي تشبه طيها للهباري العراقيات البقع والتي كانت تعشق هذا اللون بحجة أنه يناسب عمرها وتتخلى عن اللون الأحمر للأكثر صبا.. لطالما عشقت كل ألوان ثيابها التي تفيض بالوقار وعبق الذريرة والمسك وحضنها الذي كان ملاذي في ساعات تترك فيها صقيع العالم لتسكنه ويسكنك الدفء ليأتي يوم ويصبح الأسود ليس سيد الألوان بل عدوها..عندما يصبح ذاك السيد العابث صوت الوطن المغادر كل الحناجر وإن تمسكت بتلابيب ثوب الرجاء المسافر تاركاً خلفه الخسارات واللوعات والندم..
أرتب صور الذكرى كورد العصرفي بيتنا بذاك (الحوش) كلوحة بألوانها الساحرة وفي نفسي سؤال يلح عليّ بشدة لماذا تغفو تلك الورود بحلول المساء..!؟ وتعود لتتفتح مع الصباح وكأنهاتبتسم للشمس ..؟؟
تشبه قلوبنا التي تغفو قبل المساءتخشى دورة الذكريات وسريان دم الشوق في عروقها.. والحنين ضيف أثقل أضلاع الصدر لكثرة الجلوس وقد عاد حافياً فقد (خفي حُنين) وشاية بالحنين أثناء البحث عن صورنا الهاربة من سطوته ولكنه يرفض جمع ماتبقى من كبرياء ليرحل .. هناك باحة المدرسة تجلس في صدر الذكرى وصوت فيروز يأتي من جبال الأرز وتردد الحناجر شعارات الوحدة التي لم تتحقق بعد مرور كل هذاالزمن ..

كم من أعمار وأجيال نحتاج لنحقق شعارات أضحكتنا وأبكتنا وظلت خرافة الماضي ومعضلة الحاضر فقد غرق الركب والتقى نهر من السماء بطوفان من الدم ونحن نفترق .. وماتت لغة التفاهم فنحن ننتسب لأمم وأعراق مختلفة فقدنا حتى ماهية التواصل ..و شبح مدينة يطاردك مثل كابوس فتقايض الكابوس بحلم هادئ ينضج على نار الأمل تفوح منه روائح مدينة فقدت عذريتها بدماء الراحلين عنها وفي رحمها صورة وغصة وبسمة غابت مع الشمس.. تُحتضر ولا تلدها قدرها أن تظل مشروع أمل يُحتضر .. مدينة تلعب الغميضة معها تطاردها ولا تجدها تحاول أن تمسك بخيوط فجرها الشارد وعبث يبتلعك الظلام فتنهزم وتفقدالجّلد..هي ذكرى تنزف نوراًتقتفي خطاها فتراهاتنزف دماً.. أبلغوها ماغيب العشق في قلبي وإن شوهتها الأياد الغريبة ورشقات الرصاص ودخان القذائف ..
أريدها فقط حفنة من أمل بلقاء يضيء تراب المساحات الموهنة من الغياب المبتل بدموع الذكرى ورذاذ السحاب العابر صيف القلوب الملتهبة ..لاتقولي كبرناعلى الحب هذا شيب القلوب العابر للمئة عام ونحن تحت ظلال الحلم نخيم ونسأل كيف مرت هذه الأعوام ..؟؟ وفينا قلب ذاك الطفل الذي رفض الفطام
وبكي وطناً مستباح وأماً أنكرته وظل يتأمل لحظة الحنو الذي يذيب لواعج الصبر.. قدسته كتب السماء وبات ساحات للصراع وسفك الدم .. وما زلنا بنار الحنين والشوق نواصل الحلم الذي صلبته أياد الظلم..
هل تجمعينا ونحن كالفراش المبثوث في بقاع الأرض؟
نحمل الوطن ذكرى وصور والعين تغفو على حلم العودة في حضن فرات الألم..

موقع قلم رصاص الثقافي 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *