رحل الدكتور والناقد الأديب عبد الله أبو هيف بعد صراع طويل مع الذاكرة التي خانته، كان الراحل متعباً في السنوات الأخيرة، وقد تكون وفاته هي الراحة الأبدية التي سيستعيد فيها ذاكرته، وربما تكون الذاكرة المعطوبة نعمة في ظل الحرب المجنونة التي تنهش سورية التي عشق وأحب، ومما لا شك فيه أن عطب الذاكرة المزمن قد يكون أخف وطأة على الراحل من ألم الواقع المزري.
قبل مغادرته هذا العالم ترك الدكتور عبد الله أبو هيف إرثاً حقيقياً وإن كان السواد الأعظم من أبناء هذه الأمة لا يدركون القيمة المعرفية الأدبية والثقافية التي تركها الرجل إلا أن من يعرفونه يدركون جيداً أنه ما كان في يوم من الأيام طالب مجد أو شهرة، ورغم مكانته الأدبية والمعرفية إلا أنه لم يحظَ في حياته بالاهتمام الذي يليق بقامة كقامته.
ابن الرقة الذي وُلد وترعرع فيها، وأسس فيها مع مجموعة من أبناء جيله “ثورة الحرف” اختار دمشق مستقراً له ولعائلته، وبقي زائراً وفياً للرقة وأهله فيها، ولم يشغله عنها سوى الكسب، الكسب المعرفي الذي أغنى من خلاله المكتبة العربية، فمؤلفاته مقتناة في أغلب الجامعات العربية، رحل الرجل وشاءت الأقدار أن يُوارى الثرى بعيداً عن مسقط رأسه، لظروف الرقة التي ليست تخفى على أحد، وقد دعتني معرفتي المسبقة بالواقع المُخجل – الذي يعيشه المثقف والأديب الحقيقي في بلداننا العربية التي تقدم المتزلفين والأقزام على أنهم وجوه الثقافة والأدب ويهمشون القامات الكبيرة، وكأنها عبء عليهم لا يصدقون متى تحين لحظة الأجل كي يتنفسوا الصعداء بخلاصهم منها ـ رحت أسأل عن مراسم عزاء الدكتور الراحل عبد الله أبو هيف، وكان سؤالي عن أشخاص من محافظة الرقة بالتحديد، أي عن المسؤولين الذين شاءت الظروف السيئة والفساد المتجذر والرشوة أن تجعلهم في الصفوف الأولى ويتولون إدارة شؤون المحافظة المغتصبة، ليكون اغتصابها مزدوجاً بل جماعياً في الرقة ذاتها على يد الإرهاب والقوى المتصارعة وفي بقية المحافظات على يد من تولوا شؤون أهلها فسرقوها ونهبوها وتباكوا عند طرف سريرها.
لم يفاجئني الجواب، فلم يحضر أحد من مسؤولي محافظة الرقة المستقرين في العاصمة دمشق، ولا يمكننا أن نلومهم لأنهم لا يملكون الوقت الكافي للذهاب والمشاركة في التشييع أو تقديم واجب العزاء، لديهم أشغالهم التي لا يُمكن تأجيلها فالمسؤوليات المنوطة بهم كبيرة، بين حضور الحفلات الغنائية الراقصة، والولائم الدسمة، وغل الأموال من السمسرة وصرف كشوف التعهدات المزورة والرواتب.
رحل الدكتور عبد الله أبو هيف، الدكتور الحقيقي الذي لم يشترِ شهاداته من السوق السوداء، تاركاً إرثاً حقيقياً يُعتبر مرجعاً هاماً في النقد الأدبي العربي ولترقد روحه بسلام.
مجلة قلم رصاص الثقافية