كانت أدوات المثقف سابقاً برنيطة وجريدة صفراء عليها آثار قهوة وسط يتأبطها أينما ذهب..ولا مشكلة في قليل من العزلة الصامتة التي تشبه إلى حد ما جلسات اليوغا، صمت تشوبه في بعض الأحيان مسبات عابرة ربما تأتي في نهاية مقال أنهى قراءته أو حتى قبل أن يفعل، هذه الطقوس هي نوع من بريستيج التكوين الثقافي العربي، إذ أن المثقفين العرب خلال عقود طويلة لم يتغيروا فهم كرجال المخابرات يميزهم المظهر الواحد والنمط المتماثل.
هذا ما كان قائماً منذ مرحلة النهضة إلى فترة قريبة، حيث بدأت تتغير الأمور رويداً رويداً لنكتشف أن بإمكان المثقفين تغيير أشكالهم وأدواتهم و”بريستيجهم” وحتى مواقفهم من القضايا العامة وفق متطلبات المرحلة، بل قد اتضح أن بعضهم قادرون على التلون وتبديل جلودهم كما تفعل الحرباء الاستوائية، فاختلفت أدوات المثقفين المكرسين منهم في الثقافة والطارئين عليها، فصارت المرتكزات الأساسية للمثقف شنطة جلد، لا يهم ما في داخلها حتى أن بعضها ليس فيها أكثر من حبوب الضغط وحبوب زرقاء ودعوة لحضور حفلة في دار الأوبرا مضى عليها عام، أما في اليد فتجد باكيت دخان علبة فاخرة، وهاتف حديث يتيح للمثقف متابعة ألبوم فتياته، وعلبة كبريت وصفحة فيسبوك وصاحبة يتأبطها أينما ذهب!
وعند هذه الأخيرة يكون مربط الثقافة، فما طرحته الكاتبة السورية بثينة عوض في عملها الدرامي “نساء من هذا الزمن” هو جزء من الواقع المزري الذي وصلت إليه الثقافة اليوم، فالعشيقة التي هي مرتكز الإلهام في حياة المثقفين تتحول بعد فترة إلى مثقفة جديدة لا تحتاج أكثر من بعض الصور لا بأس إن هي وعن دون قصد أظهرت خيط حمالات صدرها أو مفرق نهديها كنوع من أنواع الابتزاز لجوع الذكر في مجتمعنا، ليس جوعه للجنس كفعل يمارسه وصولاً للنشوة المعتادة، إنما هو الجوع لحالة مغايرة لما يعيشه مع زوجته، أو لما تعيشه المثقفة مع زوجها.
أعرف كاتبة تهوى جمع الذكور كما الطوابع، ذات مرة كانت دعت أكثر من أديب إلى بيتها دون أن يعلم أحدهم أن هناك غيره، ليتفاجأوا بأنها أرادت أن ترى صراعهم عليها كالديكة، وفي النهاية فازوا بها جميعاً لكن كل واحد منهم بدوره.
إن هذه ليست حالة استثنائية إنما هي الحالة العامة، الحالة التي كانت سبباً في ركود مياه الثقافة ونمو طحالب وأشنيات على سطحها وتلويثها.
وقد يقول قائل: إن معهم بعض الحق فالمثقف الذي يتكئ على نهدين باسقين ويستند على مؤخرة مشدودة إلى حد ما سيكونه نتاجه مغايراً لآخر يتكئ على يده ويستند على الخزانة الخشبية التي نخرها السوس.
وكذلك المثقفة اللاهثة خلف فحل ينسيها مآساتها المزمنة مع زوجها الذي فرضته عليها الأعراف الاجتماعية والدينية قبل أن تكتشف أسرار جسدها وموهبتها التي فجرها فحل الحبوب الزرقاء الهارب من زوجته إلى أحضان الطبيعة.
مجلة قلم رصاص الثقافية