لا أريد أن أسرد حكاية نوبل وجائزته فقد أضحت من منسيات الناس، ولكني أريد أن ألفت النظر إلى أنها جائزة سويدية من السويد من مملكة السويد هناك من ذاك المكان الصقيعي في شمال أوربا حيث يقطن ملايين اللاجئين من شتى أصقاع الأرض بشروط إنسانية دون عنصرية تذكر اللهم إلا إذا تسبب بها اللاجئون أنفسهم، أو ثلة قليلة من اليمين العنصري الذي يشكل استثناء عن العام الأكثري ولفت الانتباه هذا يعود إلى التذكير بأن هذه الجائزة يمنحها السويديون وليس أحد آخر وهم أحرار بوضع معاييرها واستحقاقاتها، وهم أحرار منحها من يشاؤون. خصوصاً أنها جائزة سنوية واحدة في مقابل مئات وربما آلاف المبدعين من كل لون واختصاص، وعدم الحصول عليها لا يعني بتاتا قلة أهمية وإبداع هؤلاء غير الحاصلين عليها، مع الإشارة أن أعضاء لجنة التحكيم أو اللجنة المانحة، هم من الأكاديميين العتيدين من الذين لا يصلون إلى مكانتهم الأكاديمية بالدفش والتواسط والاستثناء، فهم ليسوا بهاليل السياسة الثقافة والإعلام والتعليم المدرسي، ولهم معاييرهم التي يخلصون لها، باختصار إنهم ليسوا فالصو كما اعتاد العالم العربي تلقي نتائج “جوائزه” من تحكيمات جهابذة الفكر ونجوم الصحافة، ليطبق هذا “المعيار” على تقييم أعضاء الأكاديمية السويدية.
إذا ما مشكلتنا معها ؟!!، ربما كانت مشكلتنا أكبر بكثير مما يتردد في صحافتنا الثقافية والسياسية (وهي كذلك بالفعل)، فعقلنا الباطن ( إذا صح التعبير) يعبر عن غيرة وحسد منها ومن مكانتها على الرغم من وجود العديد من الجوائز الدولية بين ظهرانينا ولكنها لم تفلح في أن تكون في مصاف نوبل، والغيرة والحسد ناتجين عن قناعة مضللة تتلخص في أحقيتنا في تحكيم الجائزة وتقرير لمن تمنح، فنحن من ناحية الأحقية لنا الأفضلية عن هؤلاء السويديون المنحلون الذين تؤثر فيهم الدعاية الصهونية ودعاية رأس المال واللبيرالية العلمانية المنحطة، مستجيبين لضغوطها مانحين جوائزهم للمنحلين من أمثالهم، اللهم إلا إذا اضطروا ومنحوها لنا ( زويل، نجيب محفوظ مثالا) فتتحول الجائزة بقدرة قادر إلى جائزة مفتخرة متأخرة بعض الشيء، وهكذا تتحول الأكاديمية السويدية بين يدينا أي ما يشبه “أكاديمياتنا ” المتفوقة عليها سلفا وبالبداهة.
اليوم تقوم القائمة على جائزة نوبل مرة أخرى، ولأسباب أصبحت ممجوجة ومستعملة ومهترئة ومقرفة، فعلى الرغم أنها ليست طرفا في الموضوع، ولا أحد يدري إذا كانت تفكر بيوسف زيدان أم غيره، ولكن ردود الأفعال الفانتازية عليها حصراً وتحديداً، تضع العقل بالكف، ليس لشيء بل لإنه من الممكن أن تكون في نية يوسف زيدان بعض “شهوة” لجائزة نوبل، فقام بغزو صلاح الدين الأيوبي، قاصداً لفت نظر لجنة التحكيم إليه عسى ولعل أن ترأف لحالة وتناوله الجائزة على خيانته لانتمائه وخصوصيات هذا الانتماء، وذلك بعد إطلاقه “تصريحات” (مجرد تصريحات) تمس بمكانة القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي !.
ما قاله يوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبي (وهو متوفر جدا على النت) هو ناتج عن بحث معرفي في الوثائق التاريخية، بصفته أي د.زيدان اختصاصي في هذا المجال، وما ينطق به هو حقيقة علمية توصل إليها على الرغم من أن الحقيقة العلمية ليست ثابتة بطبيعتها، مما يفتح مجالا للرد عليه مفتوحاً من الاختصاصيين من أمثاله، أما أن يصبح دريئة لكل من هب ودب من كتاب الافتتاحيات السياسية حتى مفبركي الإعلانات الفنية، تتهمه ببذل الغالي والنفيس من خصوصيتنا الثقافية ( المعلبة) للتودد إلى حكام جائزة نوبل لتزكيته أمام حراس هيكلها في هذا لانعكاس صورتنا في المرآة، فالطريقة الوحيدة التي نعرفها ونقرها في أدائنا الاجتماعي العام وهو أداء ثقافي بالضرورة، هي التذلل وبذل ماء الوجه أمام صاحب سلطات المنح والمنع، ولا يمكننا تصور طريقة غيرها فنلبسها لكل من يعاكس مزاجنا المعلوماتي،حيث تبقى للحقيقة (الفتنة) قبورها المترامية ومن غير الجائز النبش فيها عبر هذه التهمة المكرورة المهترئة ( “السعي بذل لنوبل”)، تنصب مشنقة د.يوسف زيدان إلى جانب مشانق زملائه حول ضريح الحقيقة.
لم يكد، د.يوسف زيدان، ينهي تصريحه حول ما أكتشفه حول صلاح الدين الأيوبي، حتى شمرت مفاتيح الكيبوردات عن سواعدها وبدأت بتدبيج التأثيم والتثريب بحقه، وتسفيهاً بحق العلم والمعرفة التي اكتسبهما، حيث تراجع معظم من كتب مادحاً قامته المعرفية بعد صدور رواياته باحثاً في تاريخه التحصيلي في جامعة الأسكندرية ومكتبتها، مقرظاً بحثه التاريخي الإبداعي بما اكتشفه من إيجابيات “حقيقة” في تاريخنا الشجي، وقتها كان ما يكتشفه د.زيدان حقيقة دامغة على أساس أنها مشرفة وليس لأنها حقيقة معرفية حصلها بتعبه وجهده وبحثه مع يقينه أنها حقيقة قابلة للتغير ارتقائيا ،وقبوله التحدي والدفاع عن أطروحاته أمام أمثاله من العارفين وليس العرفانيين.
هناك فارق خطير بين الغضب للحقيقة والغضب من الحقيقة، فالحقيقة مسار مستدام يفاجىء الناس مع كل خطوة تتقدم باتجاهها ولا تطلب رضاهم، وربما كان كره الحقيقة بالنسبة لنا هو الكارثة الحقيقية التي عشناها ونعيشها ومن المؤكد أننا سنعيشها لفترة طويلة قادمة مع إني أجنح إلى وصفها بالدائمة، ولكن ما علاقة جائزة نوبل السويدية ذات لجنة التحكيم المرضية للأكاديمة كيفما كانت، ما علاقتها بتصريحات يوسف زيدان حول صلاح الدين أو غيره ممن تحوي الوثائق على معلومات عنهم، ما العلاقة إلا الحكم على النوايا المفترضة؟ فالاتهام الافتراضي هو أن في نية نوبل منح نفسها إلى كل من يسيء إلينا من أبناء جلدتنا، واتهام د.زيدان الافتراضي بأنه ينوي لفت نظر نوبل كمرشح لها، وكلا الاتهامين غير صحيحين حقوقياً، ناهيك عن تفاهتهما وعيشهما بين أبخرة الأحابيل الشعوذية، والفهلوانيات الصحفجية، فلا شيء من هذا القبيل يمكن أخذه على محمل العلم أو المعرفة.
د.يوسف زيدان هو من هو وليس بحاجة لمن يدافع عنه، وكذلك جائزة نوبل هي من هي وليست بحاجة لشهادة ممن لا يستطيعون منح تلميذ ابتدائي المرتبة الأولى، خوفاً من غضب والد التلميذ الفاشل. ودمتم محترمين.
مجلة قلم رصاص الثقافية