رامي الخيّر |
ولأني سوريّ بدأت أدفع الفواتير الباهظة منذ لحظة ولادتي كما أخبرتني والدتي الشهيدة التي كانت الحرب على موعد معها، تلك الحرب القذرة التي تخطف الأمهات
يا لهذه الحرب التي لا تخجل …
قالت لي والدتي يوماً أن الدّاية “أم هارون ” ضربتني على مؤخرتي وأنني بدأت بالبكاء والصراخ المتواصل لمدة أربعة ساعات… وكيف لي أن لا أبكي ؟ وأنا على موعد مع القدر الذي يعيشه السوريّ والذي أسميه “بالفواتير الباهظة”..
فهنا يا عزيزي القارئ لكل شيء فاتورته الباهظة التي تستنزف السوريّ حد التعب فكل ما تبقى من السوريين أرواح كهلة ومتعبة، أغلقت الأحياء السورية بوجهها وكذلك أقفلت البلدان المجاورة حدودها ومنعتهم من التحرك سوى هنا حيث لكل شئ ثمنه..
فأن تكون سورياً يعني أن تدعم كل القضايا العالمية حتى حق شعوب الواق واق في تقرير مصيرها من دون أن يدعمك أحد ممن دعمتهم أو يقف معك وقفة حقيقية خالية من مصالحه..
وأن تكون سورياً يعني أن تخصص جزءاً من راتبك الشهري لدعم القضية الفلسطينية علما أن هذا الراتب لا يكفي لدعم احتياجات طفلك الرضيع أو حتى احتياجاتك الشخصية..
وأن تكون سورياً يعني أن تكون مستعداً دائماً للمفاجآت كالنزوح الثالث أو حتى الرابع, أو أن تختطف في وضح النهار وأن يطالب المختطفون أهلك بمبلغ كبير فيضطر والدك إلى بيع كليته ليستطيع تأمين مبلغ الفدية..
وأن تكون سورياً يعني أن تتعاطف مع الشعب العراقي وتتضامن معه بالرغم من بؤسك الشديد وحاجتك الماسة إلى من يتعاطف معك ولو بنظرة …
لطالما سألت نفسي لماذا لا يقف معنا أحد ؟؟!
فعندما صرخنا وقلنا للجميع أن يوقفوا هذه الحرب لم يسمعنا أحد سوى الأمم المتحدة والتي عبرت عن قلقها مرات عديدة جداً, لكن الأمم المتحدة لا تعلم أن السوريين تخطوا مرحلة القلق وعالجوها بالمهدئات والمسكنات ومضادات الاكتئاب التي تكاد تكون نافذة من الصيدليات السورية…
وعندما جاع السوريون وانتشرت الصور عن بعضهم وهم يأكلون من سلات القمامة أرسلت لنا المنظمات الإغاثية معلبات ( الفول ) كم كنّا نتمنى لو كان للأمان والمحبة معلبات.. لربما استطعنا عندها حل جزء لا بأس به من مشكلتنا
لا يحضرني هنا إلا قول الشاعر الكبير مظفر النواب في نهاية قصيدته وتريات ليلية حيث قال:
سيكون خراباً..
سيكون خراباً..
سيكون خراباً ..
هذي الأمة لا بد أن تأخذ درساً في التخريب.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية