هناك مثل نسائي عامي يقول: (ابنك على ما ربيتيه وجوزك على ما عودتيه)، ولكن أكثر من عمل به واستفاد منه هي منظومة الرؤساء والملوك والأمراء والسلاطين على امتداد الرقعة العربية، فمنذ ولادة الإنسان العربي يزرعون في لا وعيه خريطة تموضعه ومسار حياته ويقولبون تفكيره باتجاه واحد عبر تجهيل ممنهج عن طريق مناهج دراسية بائسة بحيث لا يحيد عما هو مرسوم له دون تفكير، فطالما أن هناك مرياع يتقدم القطيع فهو سيتبعه لا إرادياً طالما أن صوت الجرس مسموع ومن يحيد عن هذه الخريطة أو المسار ينبذه محيطه القطيع..
ومن هنا يبدأ وعي الإنسان العربي بالتقولب ويصبح الدفاع عن هذه المنظومة وما زرعته في عقله من بديهيات يومه الاعتيادي فنجده يدافع عن الاستبداد والفساد بل يصل الأمر به حد القتل أو الموت دفاعاً عن هذه المنظومة وحين يحشر في زاوية وليس بيده سلاح، يقول لك: إن الحاكم بأمره ليس لديه علم بتصرفات من حوله وكأنه كائن فضائي أو يقترب من كونه إلهاً ترك أمور الدنيا على غاربها وجلس في عليائه عل كرسيه متنسكاً يلوح بقدميه وهو نظيف القلب واليد واللسان..
هنا نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقة فكيف ستخرج وعي هذا الإنسان من علبته دون ارتداد إلى سوداوية ستكون حتماً أسوأ مما هي عليه لأنها ستكون متشربة بسلوكيات أقل ما يقال عنها أنها وحشية فتصبح هذه السلوكيات مضاعفة اكتسبت الوحشية وتريد الانتقام ونفي الآخر وكل هذا السوء ترعاه منظومتان الأولى، أمنية فاسدة مفسدة، والثانية، ظلامية رجعية متخلفة مستبدة أيضاً، وكلاهما تسعيان إلى (تعليب الوعي) فجميع هذه السلوكيات والممارسات مرتبطة إلى حد كبير بما زرعتاه في ذهن هذا الإنسان منذ نشأته الأولى على طريقة (الحشاشون )، فيخرج هذا السلوك دون وعي لا إرادياً فهو مزروع تدريجياً حتى غياب الوعي تماماً، فمن مساوئ هذا الزمن العربي أن العدو حاول جاهداً كي الوعي لدى الإنسان العربي من أجل أن يتبنى روايته ويصبح مهزوماً من الداخل تسكنه عقدة النقص والدونية والانهزام أمام هذا العدو..
كي تأتي فيما بعد منظومتان وتعلبان وعيه كي يتبنى ويقتل ويموت دون وعي من أجل هاتين المنظومتين اللتين وجدتا كفايتهما من المنظرين والمثقفين الذين استمرؤوا فعل الفاحشة بوعي هذا الجيل وتعليب وعيه إلى أن ظهر أخيراً نمط جديد هو نتيجة حتمية لتعليب الوعي وهو حرف الوعي عن العدو الأساسي للإنسان العربي، وما نلمسه اليوم ما هو إلا دليل ومؤشر خطير إلى ما ستؤول إليه الأجيال القادمة فمن كي الوعي إلى تعليب الوعي ليولد الآن حرف الوعي لأنه يأتي نتيجة حتمية لما سبق وهو الأخطر لأنه يترك أمره لعدوه كي يدير أدق تفاصيل وجوده فمن يعبد الطريق كي يعود للإنسان العربي القادم هذا الوعي قبل أن يغيب هذا الوعي تماماً فما زال هناك ضوء شحيح في آخر النفق.