أحمد كرحوت |
اكتشفت مؤخراً كمّ العادات الجميلة التي كنت كنت أمارسها في سنوات سابقة ولم أعد أمارس أيّاً منها في هذه الأيام، اكتشفت كيف تحولت إلى شخص يشبه الروبوت كل ما أفعله عبارة عن روتين يومي خالٍ من أي عاطفة تجاه ما أفعل ..
أتذكر الآن كيف كنت أقرأ للبحر ليلاً محصياً قناني البيرة الفارغة في الصباح قبل أن أغرق نفسي في رمال أوغاريت ورأس شمرا.
أتذكر ولهي بالمسرح الذي جعلني أعيد السنة الأولى كما بدأتها دون أن أرفع مقررات الدراسة المفروضة، ووجه نضال سيجري وهو يعبس في وجوه المتدربين قبل أن يصرخ “هذااا مسرح وليس جلسة في مقهى”.
أتذكر سينما الجامعة حيث كنا نحصي كل ما نملك من ليرات قليلة لنحصل على قطعة بسكويت أو كيس من الفشار اضافة لتذكرة الدخول ونرجع بعدها للبيت مشياً على الأقدام ونحن نتجادل في سوية الفيلم، وما كان يجب أن يكون عليه دون أن يكون لأي منّا أدنى خلفية معرفية حول صناعة السينما أكثر من سيناريو وكاميرا وممثلين يحفظون حواراتهم.
أتذكر حبيبتي التي تركتني قبل أن أترك دمشق بأيام لألتحق بالجامعة التي كانت تبعد 337كم عن الحي الشعبي الذي سكنته منذ كان عمري سنة واحدة، الحي المليء بالسكارى والحشاشين والشاحنات بثلاثة دواليب والشنتيانات المسنونة وسكاكين الكباس والطين وشرطة المرور وعمال الباطون !
أتذكر جيداً وجه أمي الحزين وهي تطرّز الخرز الملون على اللوحات لتعلقها على جدران بيتنا المتصدع إضافة للوحة الطفل الباكي التي أهدتها إحدى الفتيات لمنزلنا والتي كانت تدرس الفنون الجميلة في جامعة دمشق قبل أن تختفي بشكل مفاجئ، وتبين بعد فترة وجيزة أنها قتلت على يد أخيها بسبب هروبها من منزل والديها أثناء التحاقها بكلية الفنون بعد أن كان والدها يفرض عليها أن تدرس في كلية أخرى أكثر عملية في الحياة، أذكر الطناجر التي كانت تستلم المياه المتسربة من السقف في الشتاء والأرنب الوحيد الذي حصل عليه والدي رداً لدين أحد الجيران والذي لم يستطع سد ذاك الدين فأبدله بأرنب فرنسي طويل، والكرة المطاطية التي كنت أحلم بها واول تلفزيون ملون دخل منزلنا دون قنوات حيث كانت جميع قنواته صورة واحدة.
أتذكر وجوه الأطفال الذين علموني كيف أسرق من شجرة الكرمنتينا الخاصة ببستان أبو عدنان صاحب البقرات الكثر والعصا الثخين.
أتذكر أول سيجارة ڤايسرو دخنتها على طريق الكسوة وكيف اضررت لشراء عبوة عطر صغيرة بعدها وشربتها كي لا تخرج من فمي رائحة التبغ، وأول مرة طلبت أركيلة عجمي من مقهى “خبيني” فطردني نادل المقهى بسبب طرقي بالملعقة على الصحن دون أن أدرك أنها حركة مهينة فأضعت طريق العودة للبيت.
أذكر الكردية التي أحبتني لدرجة أنها كانت تشتري هداياها بنفسها وتقول لصديقاتها بأني من أهديتها إياها ما جعلني أخسر صديقتها التي كنت أنا أحبها.
أتذكر الآن كيف كنت أجلس أمام بحر اللاذقية لأكتب لنفسي شيئاً وأقرأه أمام أصدقائي في كلية الآداب فيصفقون بحرارة على نصوص مغايرة بالخروج عن اللغة وقواعدها وكيف تم ترويض ما أكتب بعد ذلك من قبل اللغويين الذين يفرقون جيداً بين الكسرة والفتحة ولا يميزون بين ( الضَمّة، والضَمّة )..
شاعر سوري | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية