قد لا تنام طرق الوهر السحرية وفجاج حزينة هنالك ما تزال نائمة على مخدات الساحل الوهراني تستنشق إيقاعات عوده، وقلوب جريحة في المدن الثلاثة وهران – سيدي بلعباس – عين تموشنت المسكونة بالراي وجراحه والريتميات الجديدة المتجددة والآهات والأسماء دون نغمه الدنيوي الذي لم ينفك.
إنه الطفل الذي ركب الأحلام إلى أن صار أسطورة وإيقاعه المختلف حجز له كرسيه الاستثنائي إلى يومه الأخير ذكرى من الأسياد والأبدية.
قد لا تنام طوال الليالي بختا ه،فتاته، شقراءه التي استولدت من معاناة عوده وجراحات روحه وإيقاعه الحالم، بختاه التي ركبت بدورها أصقاعاً بعيدة، بعيدة هنالك عند حدود عالمية أغنية لا تطال !
بختاه الرزينة والإيقاعية، البهية واللحنية، القوية والصوتية تماماً كما كان هو، وكما ظل لا يطال مورده الموسيقي وتجديداته الرايوية والأخرى الوهرانية لأغنية الشعبية العربية الأجواء والمطالع.
لقد سلك عمراً كاملاً من الأغنية وتهديداتها، والأغنية وصهد السيرة والطعنات؟
فموسيقاه التي نشأ فيه طفلاً فشاباً فشيخاً وقد ركبها بأنامله الرقيقة مخطط وعمارة من تراثيات هواه الشرقي، وعلى إيقاعات من ملح بحراً متوسطاً لطالما غناه حزانى أمواجه الغادرة نغم غربي مبهر وسحيق، وموسيقاه التي استجلبها أيضاً وموسيقاه التي استجلبها أيضاً من الأغوار الافريقية تلك الطالعة عبر الأوقات من الجنوب الجزائري إلى مدن الوهرالثلاثة، وقد سيجها بفنونه وبايقات ضبط سولافاجي عربي أصيل سكنه مند أول مرة بروحانيات المزج العربي للتراكم الثقافي الموسيقي.
فطلعت جميعها سيرة من جراحاته الذاتية واحباطاته اليومية وحربه القصوى لأجل البقاء قيد العود والألحان، لقد طلعت سيرة دامية في صمت مهيب؟
وهو الذي تمكن من إعطاء اسمه بريقاً لا يخبو وسطوة أضحت مورداً وتأريخاً لا ينسى للأغنية البسيطة التي زاحمت العالمين لما أسسه من أبجديات أغنية جزائرية خالصة أطلقت باسماءها الرايوية التي جاءت من الساحل الوهراني ومدن الراي العجيبة.
لقد ارتكب من الإبداعي ما لا يمكن نسيانه، وارتكب بما يخلده.
قد تنام مدن الوهر الحزينة دونه ذات يوم وقبل النوم الأخير سنكتب له ما يليق بقامته وانهمار روحه وذوبان الأصابع، وقد تنام شقراؤه بختاه الأسطورة ذات يوم دونه أيضا لكنه قد ترك لها ما يكفي الاستيقاظات كلها، وقد ينام الساحل الوهراني الطويل ذات يوم أيضا دونه لكنه سيستيقظه الخلود لمرور صبيه الحالم وعوده الشجي المجدد والمسافر فلا ينسه ظلام النوم العميق.
بلاوي الهواري (1927) عادت ظلال سيرته وأنغامه المحتفى بها تراثياً وأعماله المرفوع لأصالتها اجتهاداته للعصرنة وتطوير الإيقاع وحداثة الأغنية الوهرانية برمتها، وأرشيفه وألبوماته وديسكاته العتيقة وصوره الضاربة في العقود الأولى من القرن العشرين وكتابات عنه وكتابات له، وأشعار وحوارات وظلال مرور كثيرة استنبطت من بقايا الذكرى عندما كان أمام الذكرى وأمنيات كثر وحزن عظيم؟ قد لا ينام العود والسولافاح والقيثارة والإيقاعات الراي والتجارب الأخرى التي تلت والعصرية والاسم الذي اختلط إلى أضحي أسطورة ذات يوم دونه، لكنه عاش لأن أضحي رمزاً وطال يومه إلى أن أضحى موعداً رومنسياً وأغنية، واستمر لان صار من الإحياءات العجيبة وكما أعياد الأولياء ومواسمهم فلا ينسون جميعا وهو عند وتد الأوتار وانسياب لحن الذكريات.
(بلاوي الهواري) موسيقي ومطرب جزائري مجدد يعتبر من أعمدة الأغنية الجزائرية والراي.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية