عابد لزرق |
يكفي الإنسان الصادق أن يرى تلك الهبّة العظيمة والحزن الكبير الذي أصاب الناس منذ سماعهم خبر وفاة الصديقة والروائية “ديهية لويز” حتى يفهم كيف كانت هذه الكاتبة الشابّة شفّافة ونقية من كل الأدران والأمراض النفسية التي لوثت بعض كتّابنا وأصابت إنسانيتهم في مقتل. فقد جمع موتُها بين الجميع، مختلفين ومؤتلفين، وعلى اختلاف توجّهاتهم ومشاربهم، وأجمعوا على تفرّد شخصية كاتبة مرّت بمشهدنا مسرعة، وترك رحيلها في نفوسنا أثراً بليغاً.
لقد كانت ديهية، كنسيم عليل، تمرّ على صفحتها فتكتب بالعربية وبالفرنسية وبلغتها الأم الأمازيغية دون هاجس من اللغة، ودون الخوض في صراعات ونزاعات عقيمة مدفوعة من الأنا والكِبْر والغرور، مثل التي نراها بين الناس هنا يوميا، كانت ديهية طائراً مسالماً بعيداً عن الكراهية والمقت.
كتبت ديهية عن الموت والحياة والأرض، وعن المرأة والمجتمع، وعن الألم الأمازيغي، وكانت تختار بعناية رباعيات لعمر الخيّام. وليس من باب الصدف أن تختار هذه الكاتبة الشفّافة محمود درويش شاعرا من بقية الشعراء لتقرأ له، وتقوم بترجمة بعض أشعاره إلى الأمازيغية. فدرويش الذي عانى القلق الوجودي في آخر مرحلة من مراحل عمره قاسمته ديهية هذا القلق في كثير من كتاباتها واختياراتها، والغريب أنّ كل شيء في منشوراتها الأخيرة، تحديدا، كان يشي باقتراب الروح من الحقيقة الكونية الوحيدة الموجودة بيننا ألا وهي الموت، وكأنّ القدر تجلّى أمامها فعلمت أن مكوثها بهذه الأرض لن يطول أكثر حين عارضت قبل أيّام قليلة بيت درويش الشهير قائلة لنا: “لا شيء يستحق الحياة على هذه الأرض..”.
أمّا الأمر الأكثر إدهاشا فيها أنّها عانت مرض السرطان وقاومته في صمت. هذا المرض الذي يفتك يوميا بالبشرية اختارت ديهية أن لا تُوجِعنا به وبألمها في عزّة وإباء وصبر لا مثيل لهم، فلم تنبس الراحلة بكلمة واحدة عن معاناتها منه، واتّخذت بدل ذلك من الكتابة سبيلها الوحيد للبوح، والأنيس لها في ألمها دون إثارة ضوضاء، ودون أن تكتب يوما بصريح اللغة عن الداء والمعاناة، في الوقت الذي نهب فيه نحن مسرعين إلى العلانية وإلى النشر بمجرد أن تصيبنا حمى بسيطة أو إنفلوانزا عابرة.
رحمك الله ديهية وأسكنك فسيح جنانه.. فقد أعطيتينا برحيلك المفاجئ دروساً عميقة عن التسامح والحبّ والجمال لن نجدها مبثوثة بين آلاف المجلّدات والمدوّنات.
كاتب جزائري | مجلة قلم رصاص الثقافية