الرئيسية » مبراة » نحن الخونة !

نحن الخونة !

نحن الخونة، ليس سوانا، نحن المتورطين بالهروب من الوطن المعتل الأول والوسط والآخر، نجونا بأنفسنا من الموت برصاصة طائشة أو قذيفة عمياء، وحكمنا على أرواحنا بأن تبقى حبيسة الصور والذكريات.

خونة، ربما هذا أقل ما نوصف فيه حين يتم ذكرنا نحن السوريين الذين خرجنا من وطننا لأسباب مختلفة، لكن أغلبنا هرب من الموت المحتم..

ثم تخرج بعض الأصوات علينا بين الحين والآخر لتتهمنا بالخيانة والعمالة، والتخلي عن الوطن في محنته، ومما لفت انتباهي أن أحداً من الفقراء “المعترين” لم يتهمنا يوماً بخذلان الوطن وتركه وحيداً يعاني، إنما دائماً يكون أصحاب تلك الأصوات هم المستفيدون، هم الذين كان يمثل لهم الوطن مجموعة من الامتيازات والمكتسبات غير الشرعية، وهم أنفسهم الذين كانوا يرسلون أولادهم على حسابنا للدراسة في أوروبا حين كنا نحن لا نعرف أين تكون أوروبا على الخارطة أو من أين الطريق إليها؟

رغم ذلك أغلبنا لم نختر الخروج إنما فُرض علينا، ولم تكن الرحلة إلى أوروبا نزهة كما يصورها البعض لكم، بل كانت رحلة الموت والذل، نحن لم تُقلنا طائرات بل ركبنا قوارب الموت، ودفعنا مالاً كثيراً لذلك، ونمنا في الشوارع والحدائق وعبرنا أنهاراً وجداولاً وذقنا الويلات حتى وصلنا إلى هنا، واعتقدنا أن المعاناة انتهت، لنكتشف لاحقاً أننا كنا على خطأ، وما زلنا في البداية، وأول الرقص حنجلة.

نحن الخونة، هكذا ينظر إلينا بعض من يجلسون داخل الوطن المعطاء لجيوبهم، يتهرب أولادهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بحكم سطوة الأب الذي يُلقي الخطب العصماء ويثير حماس الفقراء ببعض الشعارات الكاذبة وفتات المكتسبات ليرسلوا أولادهم إلى الموت، ثم يعزيهم بساعة حائط أو مبلغ لا يكفيهم لفتح عزاء وتكبير صورة لفقيدهم..!

هم الوطنيون بقدر ما يعطيهم الوطن مالاً وسلطة، ونحن الخونة بقدر ما أخذ منا، من أحلامنا، من أرواحنا من عذاباتنا من دماء أهلنا وشبابنا، نحن السوريين الخونة الذين حلمنا بوطن أجمل، لكنهم قتلوا أحلامنا، نحن الذين لا يحق لنا أن نكتب عن الوطن من خارجه ففي ذلك إدعاء، وممنوع علينا أن نكتب عن الوطن ونحن داخله ففي ذلك رياء، إذاً متى وأين نكتب عن الوطن؟

أخبروني أيها الـ….. متى وأين نعبر عن حبنا للوطن وخوفنا على ما بقي من فتاته؟

استحلفكم بالوطن أن تخبروني.

تركنا لكم كل شيء، خرجنا بثيابنا التي كنا نرتديها، لم نعد نملك سوى عبراتنا وأنتم تستكثرونها علينا، تركنا لكم كل شيء، وها أنتم تلاحقون أرواحنا إن هي طاردها الحنين والتجأت إلى مسقطها، لا نريد منكم شيئاً..اطمئنوا..ودعونا نبكي عبراتنا.

 لماذا يزعجكم نشيح أرواحنا المتعبة المثقلة بالهموم، ونحن لم نزعجكم بشيء سوى أننا هربنا بما بقي لنا من أيام إلى خارج سياج الموت.

خذوا المكتسبات وتقاسموها إلى أن يرتوي جشعكم، ولا أظن أنه يرتوي إلا من نعواتنا..

نحن الخونة الذين لفظهم الوطن، وخرجوا من بين الركام وحراب البنادق، لا نريد منكم شيئاً سوى قبور تستقبلنا يوماً إن عدنا إلى هناك جثثاً هامدة.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *