لا تستغربوا هذا العنوان، ولا هذه الجملة، بل تساءلوا لماذا كُتبت هكذا؟ ليس هناك أي خطأ، وليس في المعنى مجازاً أو تورية، إنما هي هكذا كما كتبتها، شكراً أيتها الحرب!
بعد كل هذه السنوات من الدمار والقتل والتنكيل والتهجير والإرهاب الأعمى الذي شتتنا في أصقاع الأرض لا بدّ لنا أن نجري قراءة سريعة للمشهد رغم دمويته تخيلوا أننا لولا هذي الحرب لم نكن نعرف أن هناك عالم آثار سوري عالمي من سلالة التدمريين وهو آخر من يتحدث لغة أهل تدمر، ولولا أن داعش الإرهابية اعتقلته وأعدمته ما كنا سنعرف عنه شيئاً بينما في إيطاليا يحتفون بالعالم به ويعرفونه منذ عقود.
ولولا هذي الحرب ما كنا سنعرف أن لدينا عشرات المخترعين كباراً وصغاراً قدموا اختراعات هامة وإن هي لم يؤخذ بها من قبل الجهات المعنية، لكن ما كنا لنعرف بهم لولا أن يد الغدر طالتهم ونكلت بهم ومثلت بجثثهم.
وعرفنا من خلال هذي الحرب أن لدينا عشرات المغاور والكهوف الأثرية التاريخية منسية في عمق أرضنا كانت مرتعاً للضباع قبل أن يحتمي بها الإنسان هرباً من قذائف الحرب..
واكتشفنا في هذي الحرب أن فينا من القيح ما يكفي لأن يغمر العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأن فينا من القبح ما يكفي لطمس جمال العالم، وأننا نتلذذ بأكل لحم بعضنا حقداً أسود وكراهية.
تعلمنا الكثير من هذه الحرب، وعرفنا أن فينا النصاب والدجال والأزعر والخنيث والعرص والبندوق والخائن والقاتل واللص والانتهازي والمتسلق والانبطاحي وكاتب التقارير والظالم والمخبر وكذلك فينا الشريف والأخلاقي والإنسان والحكيم، ولولا هذي الحرب ما كنا سنتعرف إلى كل هذه المواهب وما كنا سنرى كل تلك الإبداعات، ففي هذي الحرب رأينا القاتل قاضياً وجلاداً، والسارق حاكماً بأمره، والخائن مناضلاً وغدت الخيانة في هذي الحرب وجهة نظر يُدافع عنها.
ولم نكن نعرف قبل هذي الحرب المشكورة أن لدينا من الخيرات والثروات ما يكفي لأن نعيش بكرامة إن نحن أجدنا استثمارها، وكيف لنا أن نعرف بأن المنابر والمناصب وحتى وسائل الإعلام أُحدثت لتُسبح باسم الحكومات ويبقى الشعب على الهامش..لولا هذي الحرب.
تخيلوا لو أننا عشنا السنوات السبع الماضية دون حرب، حتماً كنا سنغرق في الجهل أكثر، وما كنا استمتعنا بكل هذه التفاهة التي تطالعنا في كل حين على أنها شعر وتلك الثرثرة على أنها أدب وهذه الفضفضة على أنها افتتاحية لمجلة قلم رصاص الثقافية.
كان كل شيء سيكون مختلفاً عما هو عليه الآن، إلا أنها الحرب، حربنا ضد أنفسنا، ضد كل ما هو جميل فينا، قتلنا الجمال، ووأدنا الحب، وما عدنا نصلح سوى للموت، فالحياة ما عادت تليق بنا مع كل هذا الحقد.
أعتقد أن الاستغراب من عنوان هذي المقالة قد تلاشى بعد ما ذكرته، رغم أنه ليس كل شيء لكن هذا يكفي لأن يجعل كل عاقل يراجع مكامن الخطأ فيه ويحاول تصحيح ما أمكن من الأخطاء.. لنحيا بسلام.
مجلة قلم رصاص الثقافية