مضر رمضان |
(أحاديث حولنا Gesprache uber uns ) هكذا جاء عنوان عرض فرقة (فرايبورغ الوطنية للمسرح) في مدينة فرايبورغ في ألمانيا. هذا العرض من تأليف تينا مولر ( Tina Muller) وإخراج زاشا فلوكن (Sasha Flocken) ويتم تقديمه حاليا على مسرح المدينة ذاتها حيث بدأت عروضه في 7-7-2017.
يتناول العرض في مجمله علاقة لاجئ سوري جاء عبر البحر بطريقة غير شرعية تاركا لعائلته أمل لم الشمل عالقة في تركيا بانتظاره مع امرأة ألمانية حامل تعيش حالة معقدة مع زوجها والتي هي الكاتبة ذاتها حيث نوهت أنها تسرد قصة حقيقية تعيشها بكل تفاصيلها.
لم تغب عن ذهني صورة “مصطفى سعيد” في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح أثناء حضور هذا العرض حيث يعمل العرض على كشف عناصر المثاقفة الشرسة كما يصفها العرض والتي تنتج عن رحلة التهجير السورية إلى القارة الأوروبية وألمانيا على وجه الخصوص، ففي هذه المواجهة الشرسة بين الثقافتين كان من الواجب الإجابة على فعالية كل الفرضيات المطروحة في الصورة النمطية للأوروبي والصورة النمطية للعربي والإسلام كفلسفة على حد سواء.
هنا على أرض الواقع كما في العرض (أحاديث حولنا) لم يكن اللقاء خياراً لكلا الطرفين. صحيح أن الكاتبة توجهت إلى المحطة بخيارها محاولة الإمساك بأي لاجئ لمساعدته مبرزة الروح الأوروبية، لدافع داخلي فيها بالاستجابة للصورة النمطية للأوربي المعاصر ولعلها مادية الحياة الرأسمالية الأوروبية جعلتها تحاول التقاط موضوع لمسرحيتها. إلا أن هذا اللقاء كان سيحدث لا محالة، إن لم يكن معها فمع أي ألماني أوروبي آخر.
و لربما اضطرارية اللقاء جعلت من المثاقفة حالة شرسة كما يأتي في نص العرض ففي هذه المواجهة تقف الثقافات عارية تماما وحيدة تماما لاشيء يدعمها سوى إيمان حاملها بها،
تكتشف ذاتها في ضوء الثقافة المضادة قبل أن تبحث في ثقافة الآخر، حيث انقسم خطاب العرض إلى ثلاثة أقسام مركزية الأول يسرد حكاية اللقاء وتطوراته والثاني حوارات ونقاشات بمستويات مختلفة بين الرقيق والحاد بين الكاتبة الأوربية مع اللاجئ السوري والثالث كان خطاب الذات مع الذات (الكاتبة مع ذاتها والتي يجسدها ثلاث ممثلات) وخطاب (اللاجئ السوري مع ذاته والذي يجسده ممثلان فقط).
تأخذ العلاقة بسبب اضطراريتها خطا تصاعديا دراميا وصولا إلى الذروة التي كانت مفرداتها الجسد، ولا شيء غير الجسد الدامي. تبدأ المواجهة باستجابة متينة لكل من الثقافتين فيكون اللقاء لطيفا يشبه الأفلام والروايات الرومانسة, مفعم بالصمت والنظرات ليتحول شيئا فشيئا إلى مواجهة تزداد شراسة بشكل تدريجي وصولا إلى نفور في الغالب سببه عدم تقبل الأول للآخر على خلاف الصورة النمطية المرسومة في ذهنه عنه و من جهة أخرى عدم إمكانية الأول في الاستمرار على ذات النهج، فعميقا على المستوى النفسي، نحن متشابهان لكننا لم نعد نقبل هذا التشابه فأحدهما يريد الآخر ضحية والثاني يريد الآخر متفوقا دوما قادرا على الاحتضان والمساعدة. فالعلاقة في شكلها التقليدي عامودية (غربي – شرقي) يدافع عنها كلا الطرفين ولن يقبل في تحولها إلى علاقة أفقية إلا أن نظرة كل من الطرفين إلى ذات المحور يختلف فكلاهما يظن نفسه في أعلى المحور ويتفوق بذاته على الآخر.
في ذروة المشاكسة الثقافة غير القصدية أحيانا والقصدية في ظروف معينة لا تجد الكلمات معنى وتنعدم وسائل التواصل فيحضر الجسد كأداة للتعبير فتحكون العلاقة الجنسية الغريبة على حد تعبير العرض نقطة التقاء الثقافتين. جسدين عاريين صامتين لا يجدان سوى العنف الجنسي وسيلة للتواصل.
في هذه القضية أيضا نجد جيلا كاملا ينشأ بلا هوية واضحة الملامح. فقضية الصفاء العرقي إلى زوال في هذا المحور . الكاتبة مع بداية علاقتها باللاجئ السوري تكون حاملاً وينتهي العرض أو الحكاية قبل ولادتها كما أن السوري يعاني بعض المشاكل مع ابنه الذي قدم معه إثر اندامجه بأصدقائه الألمان وتطبعه ببعض عاداتهم التي لا يستطيع الأب تقبلها. بهذا نجد ولادة لجيل ليس صاف العرق بل هو جيل غير منتم على الإطلاق, ليس من السهل توقعه وليس من السهل ترويضه أو زجه ضمن إطار اجتماعي مجهز سلفاً، وهذا ما يمكن تسميته بجيل القنبلة كسالفه من الأجيال التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية حيث لطالما توجست أوروبا وأمريكا من جيل القنبلة الذي برز في ستينيات القرن الماضي ولعل العالم مازال يدفع ضرائب لهذا الجيل.
نحن في زمن الأجوبة حيث لا تعتبر رحلة التهجير السورية التي طالت القارة الأوربية بمجملها الأولى من نوعها على مستوى التاريخ إلا أنها وعلى ما يبدو الأشرس. (أحاديث حولنا) ليس عرضاً عن السوريين فحسب أو عن اللاجئين فحسب، هو عرض عن التحولات الثقافية الإنسانية في العصر الحديث. فرحلة التهجير السوري ليست اختبارا لمتانة السوريين وصلابة ثقافتهم أو امتحانا للثقافة الإسلامية في مواجهة الثقافات الأخرى. إنما هذه الهجرة تدفع المجتمع الأوروبي لمواجهة الفرضيات الموروثة من العصور السابقة لتكون على المحك حسبها حسب السوريين وغيرهم من المهاجرين ومن هنا جاءت تسميته بـ (أحاديث حولنا) حيث أننا جميعا في مواجهة ذات الأسئلة على المستوى الثقافي والإنساني.
مسرحي سوري | مجلة قلم رصاص الثقافية