محمود أبو بكر |
بُعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، في مصر طفت على السطح تيارات كثيرة، من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، كان حينها كل تيار يرى أنها الفرصة المواتية لخطف السلطة، سيما في ظل تراجع قوة مؤسسات الدولة، بعض تلك التيارات لم تكن تؤمن باللعبة الديمقراطية ككل، وتراها رجساً من عمل الشيطان، ذلك لانها تعتقد إن إدارة الدولة وفق منطق الصندوق يعد مناقضاً “لما انزل الله”، ومن يحكم بفكرة التداول فهو كافر، بينما تيارات أخرى ظلت تنادي بضرورة الاحتكام لرأي الشعب وتطبيق إرادته وفق المواصفات الديمقراطية، بينما تيارات أخرى كانت ترى في الديمقراطية سلماً مناسباً للصعود لسدة الحكم، وحينها يمكن ركل السلم، وتطبيق إرادة التيار، في حين السؤال الأكثر تداولاً حينها في الشارع المصري، كان: “مصر رايحة على فين؟!”
وبعيداً عن ذلك السؤال القلق، خرج العبقري جلال نادر، ب توصيف يبدو أنه الأكثر تعبيراً عن تلك الحالة، حين قال: مشكلة مصر ان شعبها يعيش في مكان واحد وأزمنة مختلفة تماما” !
استعدت المقولة اليوم وأنا أشاهد المنظر البشع في “عين الفوّارة” وذاك الملتحي “مولى المارطوا” يعتلي المنصة ليحطم ثدي التمثال التاريخي في مدينة سطيف، وسط ذهول المارة ومحاولات رجال الأمن.
وكادت الصورة الصغيرة والبشعة، تختزل الصورة الأكبر، صورة الدولة المطلة على المتوسط، المنفتحة على الآخر، والفخورة بمدنيتها وتاريخها، الدولة ذات الامتداد الحضاري العميق، والتعدد الاثني والثقافي !
كيف لرجل يعيش في القرون السحيقة ان يفرض رؤيته بالمارطوا ( المطرقة )، في وطن مترامي الأطراف، متعدد الرؤى، منتمي لثلاثية: الامازيغية، العربية والإسلام، بجانب امتداده الافريقي والمتوسطي ؟!
بعد مرور أكثر من خمس عقود ونيف من الاستقلال، وثلاث عقود من التعددية السياسية و الإعلامية، لا زال نفرٌ من الناس يعتقد أن تمثالاً فنياً في مدينة مثل سطيف يمثل خدشاً لحياءه، ودينه، كما لو كان صنماً يأله ويعبد! وعشرات من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تؤيد فعلته الدنيئة والمتخلفة ! وتؤمن أن التغيير بـ مارطوا أمراً ممكنا ًومناسباً !
المشهد بعمومه، يطرح أسئلة كثيرة ومقلقة، حول “تداعياته” أكثر من بشاعته، فسواء كان الفاعل متطرفاً دينياً، أو جاهلاً أو حتى مختلاً عقلياً، -كما تم تداوله-، فإن ما يثير القلق والسؤال هو أن تشهد شاباً متحصل على ليسانس، يعيش في مدينة كالجزائر العاصمة يرتدي آخر صيحات الموضة العالمية، ويكتب من خلف شاشة فضية من نوعية Apple الأمريكية، على موقع كـ الفيس بوك، ليؤيد الفعلة ويدعمها بقوة، ويعتبر الفاعل “بطلاً”!
او تقرأ لصحفي طاعن في الصنعة يحاول جاهداً إيجاد تبريرات واهية لتلك الفعلة التي يعتبرها غزوةً مقدسة !
هنا عليك أن تثير كل أدوات الاستشعار وتتحسس عقلك مئات المرات في الدقيقة الواحدة قبل أن تصل لخلاصة مهمة يمكن اختزالها في عبارة واحدة، كما كتب ابن سطيف العالية، الروائي الخير شوار “إنه الجهل المؤسس”.
كاتب جزائري | خاص موقع قلم رصاص الثقافي