ظلال عثمان |
إن أكثر ما يحزّ بالنفس ويؤلمها، تساقط الرموز والأمثلة الجميلة من النخبة، وكأن الجمال والفن أيضاً لا يمكن أن يكونا في وضعية الحياد، إذ لا يمكن للفن أن يدّعي عزلته وحريته من الانتماء أو الأخلاق أو الاختيار.
قد تحدث مجزرة مؤلمة وبالطبع ستكون مزدحمة بالقصص والنهايات المأساوية، وقد تعجّ الكاميرات بصور الدم المتوحشة وهي تنقل لقطات مفزعة لأجساد أطفال طحنتهم الحرب الظالمة، أو دهستهم أثقالها تحت الأبنية المنهارة أو الوحول السميكة… إلاّ أن تصريحاَ واحداً لمبدع جماهيري ما، تجاه هذه المجزرة، موافقته عليها، أو تأييده، أو رفضه، قد يًحدث ضجة مهولة أكثر بما لا يقاس من المجزرة وتفاصيلها نفسها.
فما يندرج ويصح على أزمنة السكون، حيث يتمتع الفنان أو المبدع بمطلق حريته، إذ لا يكون مطالباً سوى بالانتماء لنفسه ولإبداعه، وليس مطلوباً منه أن يختار بين خير أو شر، بين موت أو حياة، عطاؤه وحسب خير مطلق، وانتماؤه هو نتاج ما يقدمه. لا يمكن أن يصح هذا في الأوقات العصيبة، وفي هزات التغيير العنيفة، حيث تختلط المفاهيم وتتشابك، وتلتصق السماء بكل سموها بالأرض الموحلة، وتوضع الانتماءات كافة في عهدة الاختبار والاختيار، لا يمكن أن يُغفر موقف فنان أو مبدع نخبوي لانحيازه للشر، ولا أن تنفصل قصيدته الرائعة أو روايته المبدعة أو ألحانه العظيمة عن اختياره وانحيازه في هذه اللحظة؛ إن مظلوماً واحداً كان مغرماً به يتأثر بألحانه الجميلة، أو تجيش عواطفه لقصيدته المرهفة، سيلعنه حين يراه يؤيد الظلم الذي مُني به، ليسقط كل النتاج الأدبي الجميل والفن وكأن لا قيمة لكل تاريخه.
هذا وستجرف عنفة التاريخ المتحركة وآلام الناس وأنهار الدماء حتى النخب العظيمة ولن تتركها دون محاسبة عن كل ما كان، يبدو خيراً مطلقاً ومُجازاً وجميلاً ومبدعاً فيما مضى، ثم تبين أن هذا الخير المطلق والجمال والفن العظيم والإبداع كان جزءاً لا يتجزأ من كامل البنية التي على وشك الانهيار والسقوط على الرؤوس التي كانت ترفعها وتؤمن بها.
قتل الإنسان، حتى لو كان إنساناً واحداً، بغير حق، وتحت أي حجة كانت، أو الانحياز لهذا القتل، جريمةٌ لا تغتفر. فقتل طفل وهو نائم في سريره جريمة لا تغتفر، كيف إن كان هذا القتل يبيد شعباً بمعظمه؟!
ولذلك لنا أن نتساءل كيف أصبح هذا القتل، هذا الشر المطلق الذي لا خير فيه نقطة خلاف وجدل ونسبية؟!
وكيف لا يتصدع قلب الشاعر الحساس أو أصابع الموسيقي المرهفة، أو روح الفنان السامية لهذا الشر؟!
مجلة قلم رصاص الثقافية