أشعر بالغرابة فعلاً، فنصوصي خالية من الدجاج والأرانب وحقول السبانخ والبيوت الطينية ومعابر التفتيش والقرويين الذاهبين إلى المدينة لبيع حظوظهم من تراب القرى الملوث بالمجارير والأوبئة الغامضة، التي يصفها الشيخ بأنها عقوبة لتاركي الصلاة. نصوصي فارغة أيضاً من شقق المدينة المزدحمة، ورائحة الشجارات العائلية المستمرة، ومشاكل انتشار الصراصير في بنايات الطوابق المتعددة. وخالية من مراكز الشرطة والموقوفين بتهم التحرش الجنسي بالأطفال ولصوص أسواق الحرامية، ودوائر قيد النفوس المزدحمة والجامعات والسفارات الأنيقة وشبكة مهربي حبوب الهلاوس والحشيش والهيروين. لا أثر للحياة في أي نص من نصوصي، كأنني لم أقرأ نصاً لنجيب محفوظ، أو رواية لحنا مينة .
وكأنني وُجدتُ لقيطاً في صندوق زجاجي محكم الاغلاق عشت فيه عقوداً في هواء معقم من الحياة. يخيل لي أحياناً أن ذلك الصوت في رأسي حقيقي، وأنني أبتلع كل يوم إسبرين 80 ملغ لحماية الذاكرة وليس لحماية القلب.أذكرُ، طردت قططاً تتزاوج في أحد النصوص. رميت بها دون شفقة، وكتبت سرداً عن حكاية ( أبو الحن) وعلاقته بالبيئة.
أذكر أيضاً، أنني تغافلت مراراً عن أطفال الحرب منقبي القمامة في مدينتي، لأكتب نصاً عن معجم الأنهار. وما آلمني حقاً، هو أنني ذات مرة كتبت عن السنجاب الذي يسكن في علبة النوتيلا، ولم أفكر بالكتابة عن طفل سوري في المخيمات يبيت على الطوى كل يوم.ربما يجدر بي التوقف قليلاً لأنظر في إصلاح شأن حالي.
وأعود إلى كتابة نصوص واقعية تعبر عن روح الحياة السورية، كما فعل مسلسل ( الفصول الأربعة). غير أن ذلك لا أراه ممكناً بأية حال! أنا ممتلئ بالعدم، أقصد بالخراب العميم، أقصد في ذاكرتي تتلامح مدن مهدمة، جنازات متلاحقة. أقصد أنني لا أستطيع ادعاء الحياة، وقد انتفخت جثث حيلتي وثقافتي وعلمي وشعري ونثري في مستنقع الحرب.
شاعر وكاتب سوري | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية