الرئيسية » رصاص حي » التنوير ومعرفة الإله والنفس !

التنوير ومعرفة الإله والنفس !

عبد الرحمن شرف  |

ليس منا أحد كامل معظمنا غارق بالشر والأنانية وتعصبه ويقل الخير  والتضحية وتسوده الشمولية والعنصرية والتحشيد الطائفي والقومي ضد الآخر المختلف, الذي  يضرب هذا العالم بالشرق والغرب وقد نصيب أحياناً ونخطأ أحياناً أخرى في الكثير من المحلات ووجهات النظر. والشر والخير يبقيان نسبيان وإنما نتائج وثمار ودوافع وإرادة كل شخص هي التي تحدد معنى وجوده وحيوية المجتمع. ويُمارس علينا التضليل الديني والإعلامي والسياسي والفكري نتيجة تبعيتنا المنغلقة وعدم وعينا الكافي لمصيرنا وعدم وعينا لله ولأنفسنا ولحقوقنا بعمل وشجاعة عقولنا.

وهذا هو موضوع التنوير عبر التاريخ بأن نخرج من ضآلة أنفسنا وواقعنا ومن الأزمات واللعنات التي تضرب بنا وتحقيق نتائج جديرة ليست مؤقتة وإنما مستمرة إلى معرفة أنفسنا والله في المسؤولية الفردية لدى كل شخص وليس إلى التطرف  إلى اليمين أو اليسار بل كلاهما معاً بما يحقق شروط أولويات الحياة من العدل والحرية.

ويعني لي بشكل أوضح أن نعمل لأجل الإنسان والمجتمع في أن يكتشفوا ذواتهم ويحققوها بشجاعة عقولهم بأعمال ترفع من شأن الحضارة وتحقق الخير العام والسعادة في المسؤولية الجماعية والجماعات بين بعضها البعض بعيشها ضمن واقع متعدد متنوع.

ونحن نسعى للكمال والجمال في فرديتنا وثقافتنا ومجتمعاتنا، ولا فرق بين عربي وأعجمي سوى بما يقدمه لمجتمعه من قيم خير ترفع من  شأنه والمجتمع والخير العام  بدور كلاً منهما والمساواة فيما بينهما أمام القانون، فالقانون وظيفته الأولى أن يحقق المساواة بين أفراد الشعب بكل ألوانهم وأطيافهم، وتبني الشعوب دساتيرها  وقوانينها وعقدها الاجتماعي بإرادة داخلية وليست إرادة خارجية وإلا كانت أداة للاستعمار، فالاستعمار له أشكال وطرق متعددة  عبر تاريخ  وأحدها التحكم بقوانين ودساتير الدول بأدوات داخلية تكون مرتزقة للخارج وأطماعه الاستعمارية. 

وما يساعد الشعوب في بناء دساتيرها وقوانينها تصورها للحرية وإيمانها ونضالها لأجل حريتها والأخلاق وهذه الحرية مرتبطة بمفهوم الشعوب لله وللدين والمعتقدات ولجوهر الله.

وما يحكم الأمر الباطن للإنسان هو الروح, والروح والإنسان والشعوب يمروا بمراحل عديدة في مسيرة وعيها بالمطلق الكلي، أي الله إلى أن تصبح الذات قائمة بذاتها ولذاتها وبموضوعها وشكلها ومضمونها  وإبداعها وبفرديتها وتشاركيتها  باتحادها مع المطلق الكلي، الله الذي هو أولويات فهم معنى الحياة لدى الأفراد والشعوب ويرتبط به مفهوم الحرية والعدالة والأخلاق. 

والسعي للكمال والجمال يتطلب العمل  والإرادة لتحقيق هذا الهدف السامي العالي من كل أفراد الشعب ذكوراً وإناثاً ولا فرق بين الرجل والمرأة سوى بالدور بدافع التضحية والبذل والحب والارتقاء والانفتاح في الفهم والمعنى والتشاركية وليس الإقصاء والكراهية، ولأننا نعيش في مجتمعات غير كاملة لما طبق  ومُورس عليها  من ثقافة عدمية وبناء دول لا تحقق دورها بقيادتها وتنظيم مؤسساتها ينقصها الكثير لتؤدي شروط الحياة الكريمة للفرد وتحقيق شروط أولويات الحياة من الحرية والعدالة وتحقيق سيادة داخلية فنحن متخبطون ضائعون فقدنا غاية وأهمية  وقيمة وجودنا وبالتالي فقدنا أدوارنا الصحيحة وتراجعت مجتمعاتنا بكل بُناها ومؤسساتها وبأنسانها في الماضي والحاضر وهذا ما شاهدنا بشكل واضح في ثورات الربيع ـ الخريف العربي، والعمل لأجل المستقبل في واقعنا الحالي يكون لإنقاذ الإنسان وبناء الأوطان من عبء الماضي  وفساده من كل جوانبه التي تشكل بها الإنسان والأوطان فيما مضى وما زال غارقاً بها, وإن كمالية الفرد والأوطان تتعلق بمعنى مفهومهم للحرية وحمايتها والعدالة والهوية الذاتية للفرد وبناءهما وتشكيلهما في أوطاننا والنعيم بها بممارستها التي تساعدنا للتقدم للإمام. 

يرزح الفرد تحت ظروف متغيرة نسبية ويربط تصوراته بقيم وأفكار وتراث ورؤى يتعلق بها الكثير من المفاهيم والسلوكيات والتبعية والانغلاقية والعنصرية وهويته..إلخ، غير كاملة أيضاً، وإنما نسبية، وهذه الرؤى والأفكار ليست ثابتة وإنما متغيرة وليست ذو طبيعة شمولية جوهرانية أحادية. والمتغير هو حالة الفرد وحالة المجتمع أما يتجهان للأفضل أو للوراء الأسوأ والاندثار.

هذا التصور السردي الفكري يعطي للفرد انطباعاً مبدأياً أنه يعيش في معضلة كبرى بواقعه ولديه مسؤولية اتجاهها معضلة الشرق والعرب الرازخ تجت الظلمة الحالكة والأطماع الاستعمارية المختلفة وما آلت إليه حالنا على كل الصعد، فالسبب الأول داخلي قبل أن يكون خارجياً في مأساتنا المتفاقمة يوماً بعد يوم  وكلما تحسن وضعنا الداخلي كلما أثبتنا مركزيتنا وتحقيق سيادتنا ودورنا بين الأمم والشعوب ولا حاجة لي أن أبرهن في هذه الورقة كثيراً عن تردي واقعنا ومجتمعاتنا بالاحصائيات  العلمية ووقوعها تحت الأطماع الخارجية لأسباب متعددة فكلنا راسخين تحت المعاناة.  وجميعنا لدينا مسؤولية للتقدم للأمام بمفهوم التنوير والنفس والإله والحرية ومنهجية العقل  المنبثقة من فهم كل فرد لممارسة دوره ومسؤوليته وبناء وطنه  فالأوطان تُبنى بإرادة أبنائها في الحرية والعمل لأجل رفع من قيمة الإنسان وبدون هذا لن نبني أوطاناً بل مزارع على الهامش.

 مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

هل زعزعت وسائل التواصل مكانة الكتاب المقروء أم عززتها؟

صارت التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل، تيك توك، يوتيوب، فيس بوك وغيرها مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *