الرئيسية » ممحاة » من يدير عالم الفن؟

من يدير عالم الفن؟

طلال معلا  |

هل بات الفن في كل مكان؟ وهل انتشاره يقوضه، ويجعل منه مادة عاجزة عن حمل المضامين التي اعتاد أن يحملها بعد أن تغيرت المعطيات مع تفشي العولمة، وصعود الليبرالية الجمالية إلى الموقع الذي يجعل منها وسيطاً حياً لانقلاب الفن على نفسه، وتمزيق المعنى بوحشية لدخول سوق الفن المعاصر وفق المعايير التي تترجم أعمال الفنانين إلى أموال، دون الأخذ بعين الاعتبار الحقيقة الضمنية التي على الفن تجاوزها في كل مرة كي لا يقف في طريق مسدود بمواجهة التغييرات المعاصرة، وطقوس الإبداع الغريبة المنتشرة تحت ستار الديمقراطية الثقافية، واختلاف معايير الحكم الجمالي.

اليوم يتركز النقاش على الأعمال التي تلقى اهتماماً في المزادات وصالات العرض والمتاحف، من يختارها، وكيف يتم تسويقها، ولصالح من؟. وإذا كان المهتمون بمثل هذه الأعمال يرون فيها كل قيم المعاصرة، فإن كثيرين يرونها تدعو إلى السأم والخيبة من المشروع الجمالي والبصري. وأن الأمور تستدعي الكثير من الحوارات والندوات والنشر الفني والنقدي للوقوف على حقيقة الأسباب التي تجعل الفن في أزمة تاريخية وفلسفية بآن معاً، تقود إلى خسارة الفن، وخسارة القيمة التواصلية التي يلعبها على المستوى الاجتماعي.

لقد باتت التغييرات الفنية للأزمة التي تعيشها الفنون مع مطلع الألفية الثالثة مرتبطة بمجموعة من المفاهيم والمصطلحات الـ مابعد حداثية،

كالليبرالية الجمالية الجديدة، وكل ما يتصل بعناوين الجوانب الاجتماعية والسياسية للتعددية الثقافية، وموقع الدولة في استيعاب الفنون المعاصرة، وتوقفها عن قضايا الثقافة الاستهلاكية في إطار سياسات العولمة وصراع الهويات وحروب الثقافات، وما يحدث من إعادة صياغات مصطلحات كالكونية على سبيل المثال، وكل ما يسهم اليوم في تفسير الظواهر الفنية التي يختلف فيها تفسير الذوق ومعايير الناس التي يطلقونها على الخبرة الجمالية، وباقي الخلفيات التي تعزز دور الفن في إطار مثاليات الحداثة وفوضى ما بعد الحداثة.

أزمة الفن تطور ذاتها إذن عبر الزمن، ومن المحرج التعليق على أغلب المنجزات ومحاكمات القيمين لما ندعوه حيوية الفن والرغبة به، فالوعي العام جزء من الأزمة، وجمهور الفن اليوم بات هو الآخر بحاجة إلى قراءات معمقة، بحسب الفئات الاجتماعية المتولدة عن انفجار التقنيات، وشراسة الميديا التي تسهم في تحطيم يوتوبيا الفن، وتؤسس لنماذج اختبارية جديدة في ظل هيمنة التقليد الأعمى، والجدالات الجديدة لمسوحات الفن بمقابل الجمهور الغائب، النازح من مشاعره الجمالية إلى جهل السوق وعتمة الموهبة المفقودة.

السؤال الأساس المتكرر في الأذهان اليوم، والذي طرحه جوليان ستالابراس في كتابة ” الفن المعاصر” يبقى بحاجة إلى العديد من الإجابات :

من يدير حقاً عالم الفن؟

وما التأثير الذي تخلفه الهيمنة السياسية والثقافية الأمريكية المتزايدة على هذا الفن الموسوم بالكونية؟

كاتب وفنان تشكيلي سوري | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مع ستيفان زفايج

يبدو لي أن الكاتب النمساوي ستيفان زفايج هو الأكثر اهتماما بمتابعة خيبات الحب، وأثرها في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *