طلال مرتضى |
أمس نمت بعمق عند ضفة التعب، نمت مطمئن الخاطر بعدما أولمت ليومي التالي زاد مقال..وضعت الفكرة تحت وسادتي بعد أن أشبعت غرور قريحتها بنهنهات العطر..
هذه المرة ليست كمثيلاتها، انتهزت على حين غفلة ذهاب بنات أفكاري إلى سهل اللغة الممتلئ بالعناقيد للتنزه..
كان نمل الغواية يدغدغ مسام أصابعي، تحملني أرتال معناه بحنو وغنج إلى فتنة مفاتيح الحروف التي لم تزل تأتأة عصافير مغزاها تغفو تحت سلطة برد المدينة الفاصلة..
توي استفقت من رهجة الحلم الأثيم -الذي ألهبت أوار حضوره في آخر ليل الأمس أنثى من عطر وجمر, هي الأخرى لم تسلم قياد روحها لمليك النوم قبل ان تقطف من قرص اللذة عسل معناي- وقت تلمست نداوة الوضوء تغمر دفتر حساب النشوة..
كان الصباح -يشبه أبي الطاعن في سر عشق البلاد- قد شمر عن زند خيباته بعدما قرر النزول إلى سوق الذهب ليبيع نسيج خيوطه الذهبية الأولى التي حاكها كتفصيلات زائدة لعباءة الشمس، هكذا كان يفعل أبي في المجاز، للحظة وهو يعب قوس (باب توما) العتيق، لم يكترث لعبور امرأة حامل، هي الأخرى كانت تسعى في سروة الصباح الأولى لتدلف مثله بوابة “مريمية دمشق“..
تلك المرأة أمي.. بتخفف سأفشي لكم سرها المكنون في كتب الأولين..
في ذلك الوقت لم يكن وقت الصلاة قد آن.. شيخ الأموي –وقتها- لم يزل يعيد ترتيب حبات سبحته من جديد بعد أن كر على مسامع حاله أسماء الله الحسنى كلها، ما أعلن منها وما بقي مثل سر مكنون داخل الصدور..
كذلك “راعي المريمية” هو الآخر كان يحسب الخسارات التي جعلت من شمع الحضور،
تذرف دموع الأماني، ليس ابتهالاً.. فالسماء لا تمطر الأمنيات، بل من حرقة فتل النار.
تلك المرأة كما أسلفت.. أمي..
امرأة من حبر وعطر، غاوية حد انكسار الرجال كلهم عند قدميها..
لا أنكر بأنها استكبرت يوماً وهو ما أودى بها نحو درب الضلالة، نعم.. أحب تسمية الأشياء بمعناها ومغزها..
حين أعيا الرجال في استمالتها, سلطوا عليها حارس المعنى، وكي يفوز برهجة ارتعاشتها، حاول جرها بعيداً عن دروب الشبهة التي تكتظ بها سهوب اللغة..
هناك.. وفي غيبوبة اشتعال الماء راودها فتنة البيان..
غابت طويلاً.. طويلاً عن عيون حراس الكلام، عمداً أرادت مواراة انتفاخ بطانة ثوبها، لن ينفع لو أقسمت وقتها, بالذات والمعنى..
كيف يصدق جمهور الشعر كذبتها وهو يسمع دبيب أصابع الجني تجري في أوردتها.
تلك المرأة أمي.. تواً دلفت كوة المريمية من باب اللغة العالي، جاءت لتعترف لأمين السر, بأنها ومن دون منة شاركت حارس الكلام ليله، وخرجت من صومعته حامل بملايين الأفكار..
الفكرة التي أكتبها اليوم (رولا) أختي، وأبي الذي ذهب تواً للبحث عن فرصة عسل هو الآن في المنزل, وأنا في منفاي البعيد أسمع كركرة نرجيلته عن كثب وأتلمسه يجلس بأمان تحت غيمة رمادية من الدخان، الدخان هنا كناية حضور لا مثل شاهد عيان سمعنا صوته عبر شريط خيبتنا العاجل من قلب المعمعة العامرة دوح البلاد..
والمرأة التي دلفت “مريمية دمشق” بالفعل هي أمي، لكنها لم تأت “المريمية” لتفشي سرها للخادم، بل جاءت لتولم لغيابي الذي طال شمعة عودة، هي مؤمنة حد الغرق، بأن الله في سدرة منتهاه سد دروب الرسالات، لذلك كانت متيقنة في سرها المكين، ما من مريم تالية ومسيح آخر إلا دجال الحكاية..
“رولا” وحدها مضمر الحكاية من ألفها إلى توت نسوتها اليانع، بالمفيد المختصر، أمس أطفأت شمع ميلادها وأنا في البعيد..
حري بي أن أكون وقتها في دمشق، لكن دمشق هذه أمعنت في عنادها، صارت كأنثى الاستعارة في مروية بائسة، تغار من حب الأخ لأخته، من عشق الحبيب لحبيبته، أنا لا أنفي عنها الجمال والبهاء والوله، لكنها لم تتركنا وشأننا لحظة إلا وتسكب في مهجنا الغاوية فتنة ياسمينها..
“أنثى الماء والحريق” قبل نومها قالت لي: أكتبها يا طلال.. أكتبها. ونامت.
ظلت الفكرة تراودني طوال ليلي البارد، حاولت جاهداً هدهدة روحها بأصابع حريقي من تحت سر الوسادة، كانت كلما اقترب مليك نومي ليسدل على جفوني عباءة النوم، تخرج إلي بكامل أنوثتها، دلالها، غنجها، فتنتها..
تدور حول سرير رغبتي في الحلم، بصراحة..تعمدت فك أزرار عطرها على التوالي.. عند زر العطر الأول تهت ارتباكات النشيد في المطالع.. عند زر الشمس.. صار النهار قاب قوسين أو اشتهى من اكتمال القصيدة..
عند زر الحليب.. تكاثف مزيج الفكرة، انفتح سحاب السرد على ابتهال ضفتيه الشائق والغاوي.. عند زر الغرق العظيم.. استفاقت الحروف لتستحم برضاب الندى قبل أن تتلمس وهي بأبهى زينتها مرآة القفلة.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية