الرئيسية » مبراة » الكاتب “الجوّال” !

الكاتب “الجوّال” !

تتعدد أسباب الكتابة وتختلف، ولكل شخص يخوض في هذا المضمار غايته وأسبابه التي دفعته ليكون فيه، بالنسبة لي أذكر حين صرت أهتم بالقراءة وأشتري بمصروفي جريدة حين كنت طالباً في الثانوية، لم تكن لدي أي نية في عموماً لخوض غمار الكتابة، حتى أنني كنت أتساءل في سري كلما قرأت مقالاً جديداً، أو خاطرة عن كيفية الكتابة وكيف يكتب هؤلاء الناس في هذه الصحيفة أو تلك؟

لحظة حزن مررت بها كانت كفيلة في إخراج مكنونات نفسي وترجتمها على الورق، لم نكن حينها نعرف الدفتر الإلكتروني.

بعد عقد من الزمن في هذا المجال اكتشفت أسباباً كثيرة للكتابة غير تلك البريئة التي كنا نسميها هواية،  كذلك تعرفت إلى أصناف عديدة من الكُتاب، ولعل أكثر ما لفت انتباهي منها صنف الكُتاب الجوالين، وأسميهم بهذا الاسم لأنهم يذكروني بالباعة الجوالين الذين كانوا يجوبون الحي الذي عشت فيه عقدين من حياتي، يأتون  في أيام محددة يحملون في عرباتهم التي يجرها بغل أو حصان كل ما قد يخطر لك من بضائع لن يُخيل إليك أن تكون تلك العربة الصغيرة تحتويها، كذلك حال أغلب الكُتاب اليوم في ظل الاصطفافات التي شهدتها المنطقة، تجدهم يكتبون بحسب ما يطلبه “الزبون”، حتى وإن اختلفت مضامين تلك الكتابات عن قناعاتهم لكنهم بحثاً عن المال لديهم استعداد للاسترزاق من بيع أي شيء غير مكترثين بما تسببه منتجاتهم من أذى للآخرين الذين يطالعونها في الصحف والمواقع التي لا همّ لها سوى زيادة نزيف الدم وتأجيج الصراع قدر الإمكان.

تجدهم يكتبون عن البرد وهم يجلسون إلى جانب المدفأة وعن الجوع بعد تناول وجبة دسمة وعن الفقر  بعد أن يقبضوا ثمن مقالاتهم بالدولار، وعن الاستبداد وحرية التعبير بعد أن يكونوا حظروك في وسائل التواصل لأن رأيك جاء مخالفاً لطروحاتهم، هؤلاء لا هم لهم سوى زيادة أرصدتهم المالية وإرضاء قطعانهم الافتراضية، هؤلاء لا تختلف بضاعتهم عن بضاعة البائع الذي يرمي صحناً من الزجاج على الأرض زاعماً أنه لن ينكسر فيخذله وتتطاير شظاياه في كل مكان. لعل الفرق الوحيد بين هؤلاء الكتاب والباعة الجوالين الذين عرفتهم أن فيهم من الذمة والضمير أكثر من هؤلاء الكُتاب أنفسهم، على الأقل هم لم يسفكوا دماً ولم يكونوا شركاءً بسفكه، ولم يحرضوا على الاقتتال، وفي أسوأ الحالات ينكسر الصحن وتقتصر الخسارة على ثمنه البخس فقط.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *