قبل عام مضى، وفي مثل هذا اليوم رحل الدكتور الأديب والناقد السوري عبد الله أبو هيف، بعد معاناة طويلة مع المرض، لم يكن أبو هيف اسماً عادياً أو طارئاً على الثقافة السورية، إنما كان قامة أدبية ونقدية ليس على مستوى سورية وحسب إنما على المستوى العربي، وكتبه تُدرس في أغلب الجامعات العربية وتعتبر من المراجع النقدية والأدبية الهامة، ويُعد الطلاب حولها رسالات ماجستير ودكتوراه في الجامعات العربية، ورغم ذلك لم يأخذ الراحل حقه لا حياً ولا ميتاً، حاله حال أغلب المبدعين الحقيقيين الذين تركوا إرثاً كبيراً لا يدرك قيمته ومعناه إلا من يحترم المعرفة العميقة والقيمة الأدبية والنقدية ويفهم معانيها، وهؤلاء لا وجود لهم في مواقع القرار الرسمية، إلا على نطاق ضيق جداً يكاد لا يُلاحظ.
تعرض الدكتور الراحل للمحاربة من قبل بعض المتنفذين والمتسلقين في المجال الثقافي، حاله حال القاص الراحل خليل جاسم الحميدي حين صار عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب في دمشق، يبدو واضحاً أن مثقفي الرقة الذين يتبوؤون مناصب في العاصمة دمشق يتعرضون للظروف والضغوطات ذاتها، وبالتالي كان مصيرهم واحداً، فأغلب المثقفين القادمين من ضفاف الفرات ومن الرقة تحديداً يمتازون بالطيبة المُفرطة، وهي طبيعة مرتبطة بالبيئة، فهم يأخذون الرِقّة من مدينتهم الرَقّة والنقاء من ماء الفرات، والحقيقة الجلية إن مثل هذه الطيبة والروح المرحة والرغبة بإصلاح الكون والسعي لنشر الخير والفضيلة لا تتناسب مع أساطين الفساد و”حربقات” و”لوفكات” من يعيشون في العواصم من مثقفين ومتثاقفين وسلطويين لا يختلفون بشيء عن “الكشتبنجية” الذين ينتشرون في الأسواق الشعبية، وهذا ما حصل لاحقاً مع الأديب الراحل محمد جاسم الحميدي أيضاً حين اضطر مغادرة مدينته هرباً من تنظيم “داعش” الإرهابي ففقد ذاكرته في دمشق نتيجة ما تعرض له هناك.
وُلد الراحل أبو هيف في مدينة الرقة السورية، وعاش ورحل كمدينته الرقة نسياً منسياً، كان بيته لا يخلو من الأصحاب والمتزلفين حين كان عامراً وصحته جيدة، إلا أنه عاش وحيداً بين أفراد أسرته حين ألمَّ به المرض ولم يجد حوله سوى زوجة أخلصت لشريك العمر، وأبناء يقارنون بين حقبتين عايشوهما، وقد خبروا المافيا الثقافية السورية ودهاليزها خلال سنوات حياة والدهم حين كان بصحته.
أوصى الراحل عبد الله أبو هيف قبل رحيله أن يُدفن في مدينته الرقة، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً في ظل ما كانت تشهده الرقة من معارك عند وفاته، حيث غزت الولايات المتحدة الأمريكية مدينته ودمرتها بشكل كامل، بعد وفاته بأشهر قليلة، وقد أوصى كذلك بتوزيع مكتبته الضخمة في بيته بدمشق على الأطفال والقرّاء من شباب الرقة، إلا أن ذلك لم يتحقق أيضاً فقد دمرت الحرب التي اندلعت في ريف العاصمة دمشق مكتبته ولم ينجُ منها إلا الجزء اليسير من الكتب.
نبذة عن الراحل عبد الله أبو هيف:
عبد الله أبو هيف أحد النقاد الذين عاصروا الحركة الأدبية في سورية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي حيث ولد في الرقة عام 1949م، أسس وكوكبة من أدباء الرقة «جماعة ثورة الحرف» في أواخر ستينيات القرن المنصرم كمنصّة أدبية تتطلّع إلى جغرافيا أوسع.
حصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق وحاز على شهادتي دكتوراه الأولى من الاتحاد السوفييتي السابق في العلوم اللغوية والأدبية والثانية من جامعة دمشق في النقد ونظرية الأدب.
كان عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب «جمعية القصة الرواية». ورئيس تحرير مجلة «الموقف الأدبي» و«الأسبوع الادبي» الصادرتين عن اتحاد الكتاب العرب.
عمل الدكتور عبدالله أبو هيف أستاذاً لعلوم اللغة والبلاغة والنقد في قسم اللغة العربية بجامعة تشرين، ومديراً للمراكز الثقافية العربية في وزارة الثقافة، ورئيساً لتحرير مجلة الأسبوع الأدبي، أميناً لتحرير مجلة الكاتب العربي.
له أكثر من ثلاثين كتاباً منها:
في القصة:
1 ـ موتى الأحياء، دمشق، 1976 .
2 ـ ذلك النداء الطويل الطويل، قصص فراتية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1984 .
3 ـ هواجس غير منتهية، مطبعة الأمل، دمشق، 2004 (طبعة خاصة، دمشق 1993).
في النقد والفكر:
1- التأسيس ـ مقالات في المسرح السوري، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1979 .
2- فكرة القصة – نقد القصة القصيرة في سورية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1981 .
3- أدب الأطفال نظرياً وتطبيقياً، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1983 .
4- الأدب العربي وتحديات الحداثة، دار، بيروت، 1986 .
5- الإنجاز والمعاناة – حاضر المسرح العربي في سورية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1987 .
6- الشباب والأدب، دار الحوار، اللاذقية، 1988 .
7- الأدب والتغير الاجتماعي في سورية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1989 .
8- الأطفال والسينما، دار المرساة، اللاذقية، 1990 .
9- عن التقاليد والتحديث في القصة العربية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1993 .
10- القصة العربية الحديثة والغرب، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1995 .
11- الشرق أوسطية والفكر العربي، مطبعة الأمل، دمشق، 1996 .
12- النقد الأدبي العربي الجديد في القصة والرواية والسرد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000 .
13- الفكر العربي والتطبيع، مطبعة الأمل، دمشق، 2001 .
14- التنمية الثقافية للطفل العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001 .
15- الحداثة في الشعر السعودي، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار البيضاء، 2002 .
16- المسرح العربي المعاصر: قضايا ورؤى وتجارب، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002 .
17- الجنس الحائر: أزمة الذات في الرواية العربية، بيروت، 2003 .
18- قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمّان، 2004 .
19- القصة القصيرة في سورية من التقليد إلى الحداثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2004.
20- الثقافة العربية وتحديات العصر، دار اليمامة، كتاب الرياض، الرياض، 2005.
21- اتجاهات النقد الروائي في سورية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2006.
22 – العرب والحوار الحضاري، وزارة الثقافة، دمشق، 2007.
23 – نجيب محفوظ بعيون سورية . وزارة الثقافة، دمشق، 2007.
24 – الإبداع السردي الجزائري، وزارة الثقافة، الجزائر، 2008.
25 – حنا مينة في مرايا النقد، دار اليمامة، كتاب الرياض، الرياض، 2010.
رحل الدكتور عبد الله أبو هيف في 23 نيسان 2017 في العاصمة دمشق، ودُفن فيها.
مجلة قلم رصاص الثقافية