الرئيسية » رصاص ناعم » حيث يجب أن أكون

حيث يجب أن أكون

رؤى بستون   |

(1)

الجريمة المثالية

قطعت الجثة قطع متساوية ثم سلخت الجلد عن اللحم و خبأتها في الفرن.

مسحت الدم المتبقي عن السكين .. نظفت أرضية المطبخ، و قبل أن يصل اﻷطفال من المدرسة، دست السم في الطعام.

وصل اﻷطفال في الوقت المناسب، تناولت معهم الطعام، لحظات … وشعروا بنعاس شديد و ناموا إلى اﻷبد … بسلام.

فجأة .. رن جرس الفرن، فتحت عينيها، أخرجت الديك الرومي الشهي، وضعته أمام العائلة المجتمعة و شكرت الله على نهاية روايتها الجديدة.

من قال لا طائل من الكلمات، الكلمات تحقن ألطف المشاعر في شرايين القلب، تمﻷ بطون الجياع و قد تنقذ حياة.

(2)

انتحار

اﻷمر في غاية البساطة.. فكل ما تحتاجه هو سكين حاد و قطع الوريد، لكن ما لم تتوقعه هو كمية الدم الذي نفر على وجهها.

مرت ثوان و شعرت بدوار في الرأس و رؤية ضبابية إلى أن غابت عن الوعي.

راحة أبدية لم تشعر بها من قبل، فجأة شعرت بيد صغيرة تشد فستانها، و صوت طفل من بعيد “أمي ألم تنتهي من تقطيع الرمان”.

عادت إلى وعيها…. مسحت دموعها.. وتذكرت سبب وجودها في هذه الحياة.

(3)

انفصام

لمدة طويلة وهي محتارة من تقتل أولاً، الفتاة الخائفة المنزوية على نفسها في زاوية 

الغرفة، أم تلك الساقطة الغاضبة التي تجلس على الكرسي الهزاز في الزاوية المقابلة، ثلاثة شريكات في السكن الجامعي لا يتفقن على شي ء إلا في الكره و الحقد و الغضب.

لحظات وبدأت الساقطة بتعنيف الفتاة المنزوية لفظياً…صراخ … غضب … شتائم ..  و بكاء.

عندها قررت الفتاة الثالثة أن تنهي المشكلة… طلقة واحدة … ثلاثة قتلى … و دم من جثة واحدة.

(4)

حيث يجب أن أكون

صهر عظامي في الجحيم ثم نفخ في نفسي الروح وجسدني في أحسن تصوير وهمس: ستكونين كل ما يحتاجه اﻵخرون .. فكنت.

أوصلت الحليب للرضع، رويت ظمأ  العطشى، واسيت المكلومين في فقدانهم، وآخر ما أذكره أنني كنت  في الخمارة أمام رجل يضحك ثم يبكي ثم يضحك، فأسقيته الخمر لينسى، لكنه تذكر كل ما نساه دفعة واحدة، عندها اعتقد أنني السبب في مصابه وقرر وضع حد لحياتي … فهشم رأسي على حافة الطاولة حتى الموت.

عدت بين يدي خالقي، همس من جديد: ستكونين الحقيقة التي يراها اﻵخرون … فكنت.

نظر في وجهي اﻷطفال و الشبان و الشابات والعجائز، أنا أريهم حقيقتهم وهم يتجاهلون وجودي، وآخر ما أذكره أنني أحدق في عيني امرأة هندية وجهها مشوه باﻷسيد على يد رجل كانت تعرفه، بكت مطولا .. بكت قهراً وظلماً، طلبت مني مرات و مرات أن أكذب عليها و لو لمرة واحدة لكنني كنت أقول الحقيقة في كل مرة، إلى أن قررت قتلي… وشوهت وجهي بضربة واحدة.

عدت من جديد إلى من نفخ في نفسي الروح و قال:  لن تتكلمي بعد اليوم، ستصورين ما يقوم به اﻵخرين … فكنت.

صورت اﻷحباء والحبيبات، التقطت أهم اللحظات في ليالي الفرح، أولى خطوات اﻷطفال وآخر لحظات التخرج للطلاب، كنت حيث يجب أن أكون إلى أن حلت لعنة 

لعنة الحرب وسادت رائحة الموت في كل مكان، وبدأت أنتقل من خطر إلى آخر، أصور الخوف والتشرد والموت بأبشع صوره، وآخر ما أذكره رصاصة اخترقت عيني.

عدت إلى من جسدني في أحسن تصوير  وأكد لي: ستكونين حيث لن تمسك اﻷيدي بعد اﻵن، فكنت ثلاثة قردة محبوسة في خزانة لمنزل دمشقي قديم، لا تسمع لا ترى لا تتكلم، وآخر ما أذكره دوي انفجار كبير.

 هو ليس سوى صانع زجاج كونني حيث يجب أن أكون، فكنت زجاجة النبيذ والمرآة وعدسة الكاميرا و تحفة مكونة من ثلاثة قطع، صدقته مرة تلو مرة فكسرت مرات ومرات، بالنسبة للآخرين هو ليس سوى صانع زجاج أما بالنسبة لي فهو  ربي.

خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

رولا عبد الحميد تقول: إنها تجلس وحيدة في حضرة المحبوب

يقوم نص الرواية على حكاية حبَ بين حبيبين لا يلتقيان أبداَ، يدقَ قلبها، وتشعر بالاضطراب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *