علاء محمد زريفة |
الذين رحلوا إلى الآخرة لم يتركوا أثراً، والذين بقوا ضائعين بين مصيرين لم يهتدوا بعد، نحن المتشككون نبقى نراوح مكاننا بين هؤلاء وأولئك، مستخدمين أقصى طاقة عقلية ممكنة.
في أغلب الأحيان تبدو الفضيحة الكبرى هي الصمت”، الصمت تجاه أي شيء، لكن الخيبة الكبرى التي نصاب بها بعد انقضاء الوقت هي أننا لم نتكلم.
إن كل ما ظهر من الله هو الكلام الذي قيل باسمه أو عنه، من رأى الوجه الآخر فليقل، تجرد نيتشه، فقال: “إن المجنون هو من فقد كل شئ إلا عقله”، ولكن إنسان هذا العصر يحاول رفع الشمس فوق أعوادٍ خيزران، ولا يعمل على زراعة الشمس في عوالمه المظلمة.
هل الصرخة تكفي..؟
هل كان نوح واقفاً على جمرة السكون وهو ينظر البحر الهادر حوله، ويصف خروجه من نفسه ودخوله الإجباري نحو الغيب؟
ولكن ما الغيب؟
هل ندرك إحساسينا على الجملة أو نعيد فرزها وتنقيتها من بقايا ذاكرة متعبة، لكي لا نصعد الموقف مع أحد اثنين، الحياة أو اللا حياة.
اللا شيء: أن تنظر نصف كأسك، وأنت مرتاب من النصف الآخر، لكن الحقيقة أصعب من أن نلمسها بالأصابع. الزئبقية التي تنشر مائها حول شريان أعصابنا، ولكنها تتمرد على حركتها لنصل إلى اللانهاية بجدوى أقل وكيفية مطمئنة.
من لم يقل “لا لأي شئء، لأي مسبقة متذرعاً بالحكمة الجاهزة الموروثة ومدعياً معرفة كاملة، ثم خائفاً من ضد قد يبزغ من هنا أو هناك لا يلبث أن ينفصل عن واقعه ويقع فريسة سهلة لحالة وهم مسبق بالحق الخارج من رحم الحقيقة الأولى التي صارت مجهولاً حكماً وفعلاً.
يحدث في السياسة كما في الفن و الأدب ظهور هذه الطبقة المتعفنة الفطرية ليخرج عنها فضيلة محيرة حائرة لها اسم شائع، ولا يختلف الناس على تعريفه، “الوطنية، الانتماء” إلى مكان أو جماعة بشرية لها مميزاتها العرقية والنفسية وتجمعها مصلحة البقاء، و تتمتع بلذة الراحة مع مسبق يحميها من التلاشي على المستوى الفردي، مما يضمن بقاء المجموع وانتفاء الفردية، أي خروج عن المألوف- العادة – العرف الذي يصير بالتقادم إلهياً بطريقة ما، هو اللاوطنية، تتكاثر حشرات هذا الإدعاء، زمن الحروب والنكسات الوجودية الشك الذي يوازي حالة الخوف الوقائية من الذاتية أولاً، تدفع إلى حالة متقدمة من “النكروفيليا” اصطلاحاً تعشق الموت و الذي يعطى بعداً انسانياً وسماوياً فيصبح شهادة واستشهاداً، وأمام متلازمات الدماغ المترتبة وفق لما سلف ذكره نعيد إنتاج الحياة طبقاً لما نراه صحيحاً وكاملاً الحقيقة، مما يدفع ببعض المشاغبين كأمتال اوسكار وايد للقول: “إن الوطنية هي فضيلة الفاسدين”.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية