قال: هل ثمة حلم لم يتحقق ؟
ردت: هناك حلم أخير أحققه ثم أموت.
قال: هل يوجد شيء لم تحققيه أو لم نحققه؟ فقد التقينا، صلينا، بكينا، ضحكنا، ورأينا كل ما كنا نحلم برؤيته ..
قالت: منذ طفولتي وأنا أحلم أن أحضر حفلة للملائكة.. ابتسمتْ.. أقصد حفلة لفيروز .. كنت صغيرة وشقية .. أغني (طيري يا طيارة طيري يا ورق و خيطان) .. كبرت قليلاً .. غنيت ( أمارا يا أمارا) .. اندفع نهداي فغنيت ( أمي نامت عابكير )..
رحلت أمي ومعها أبي فغنيت (أنا وسهراني وحدي بالبيت).. عشقتك فحلمت أن أراك وكنت أظن بأن هذا آخر ما يمكن أن أحلم به فغنيت ( تعا ولا تجي ) .. حلّ وباء أحمر على مدينتي وازدحمت بالحواجز والنار فغنيت (وطني).
كنت تبتعد عني بقدر ما تقترب فيروز مني فعرفت بأن فيروز هي آخر حلم لي وبعدها سأسلم مفاتيح الحلم لطفلة أخرى تكبر وتحلم وهي في قرارة نفسها لا تريد أن تتحقق أحلامها كي تبقى على قيد حلم..
قال: كنت طفلاً هادئاً يسكنني الخوف, كانت الأحلام تراودني عن نفسي، مرة حلمت أن أقتل أبي كي يموت البطش في العالم، ومرة حلمت أن أبقر بطن أمي الذي لا يفرغ من الأجنة التي ستشق باب الحياة وتشاركني في طعامي وملبس وفراشي .. ثم حلمت أن أقتل المختار وحماره، وحلمت أن أقتل أخي المتفوق، ثم حلمت أن أذبح أختي لأنها فائقة الجمال .. وبعد أن تكسرت أحلامي هربت من عالمي قبل أن أصبح مجرماً.. تسولت في شوارع المدن الكبرى ذات الأضواء الباهرة والأبنية العالية، عادت أحلامي الدموية فحلمت أن أكسر الأضواء وأهدم تلك البنايات العالية التي هيمنت على روحي بظلالها القاتمة، ثم حلمت أن أقتل كل من يمر بطريقي بطريقي، خالفت إشارات المرور، ووقفت أمام السيارات بقصد الموت أو القتل لكن الموت كان يبتعد عني بقدر ما يقترب، ثم عشقتك، فحلمت أن أراك، فرأيتك، وفعلنا كل ما كنا نحلم به .. حلمت أن أروّضك، وحلمت أن أقتل فيك حبي، ثم حلمت أن تكوني صورة عن حلمي، وبعد ذلك أصبت بفشل جماعي لكل أحلامي … والآن هل تعرفين بماذا أحلم؟
قالت بأسى: تحلم أن تقتل فيروز … أليس كذلك؟
صمت طويلاً فخرج صوت فيروز من جوَّالها وصدحت الملائكة :
يا قمر أنا وياك صحبي من زغرنا حبينا قمرنا وعشنا أنا وياك… يا قمر.
مجلة قلم رصاص الثقافية