قصي عطية |
ابتعدتُ عنكَ مُرغَماً…
لم يكن غيابي عنكَ، وابتعادي عن عوالمكَ السحريّة سوى عقوبةٍ لي..
ها هي أصابعي تُلامسُ جسدَك النّاعمَ بشبق عجيب، وشهوة عارمة…
هل ستغفر تجاهلي إيّاكَ كلَّ تلك الشّهور الماضية؟
ما عهدتُك إلاّ غفوراً، مُسامِحاً، ولكنّي الآن وبلمسةٍ واحدة استعدتُ مهارتي في السّباحة معكَ في بحر البياض الذي لا أرى ضفافاً له…
ما كان مُمكناً أن أبتعد أكثر… ما كان مُمكِناً أن أحتملَ الحياةَ من دونكَ..
في لحظة بوحٍ على طاولةٍ حمراءَ إلى جوار نافذةٍ تُطلّ على شارع أدمن خُطوات العابرين أراك تسترقُ السّمع إلى لمسات أصابعي، وتُرهِفُ النّظر إلى مساحات البياض المزروعة أمامكَ بحراً من الرّغبة…
أراكَ مُتردّداً… غير أنّ لهفتكَ لأصابعي ليست بأقلَّ من لهفتي…
أراكَ ترتجفُ واقفاً في محراب صمتي، لكنّك الوحيدُ الذي كفكف دموعي سنواتٍ طويلة، … تقفُ أمامي كقدّيسٍ مُفخّخٍ بالشّهوة، تُطالبني أن أعترفَ بخطاياي أمام ورقةٍ بيضاءَ، تُريد أن تسمع همسَ حروفي، ومطرَ أفكاري المتشابكة…
رأسُكَ، وقامتُكَ المُتسامِقة، ولسانُكَ الذي لطالما امتصصتَ به ألمي بشهوةِ الاحتراق والذّوبان… أتعرّى أمامَكَ، خلفَ نافذةٍ زجاجيّةٍ غيرَ مُكترِثٍ لنظرات الآخرين، وخلفَ سحابةٍ من دوائر الدّخان التي أطلقتها من سيجارتي المُرتجِفة بين أصابعي…
لن أطلب الغفران… ولكنْ إنْ شعرتَ بصدق لمسة أصابعي فلْتسامح هجراني… إنْ أحسستَ بحرارة يدي التي تطوّق جسدَكَ النّاعمَ فلْتغفر شهورَ القطيعة…
قد أكون خائناً، نعم كنتُ خائناً… فأنا لا أعود إليكَ إلاّ عندما تهجرني سعادة العالم… وأجلس إليكَ أبوح بما أعاني، بما أرغب، بما أفكّر… وأنتَ مُسترسِلٌ في الإنصات بكلّ مرارة الانتظار، وعندما تخونني الكلمات أراكَ تضع علاماتِ ترقيمٍ بعد كلماتي، لكأنّكَ تطلب منّي الصّمت، وربّما المُتابعة…
سأعترفُ لكَ بكلّ شجاعةٍ أنّي ضاجعتُ غيرَك الكثير… وارتشفتُ خمراً من شفاه الكثيرات، لكنّي أمامكَ الآنَ أنزف بصمت، فما من شهوة تُضاهي عناقكَ… وما من لذّةٍ تُضارع لذّتي بالعودة إليك…
لا تُشح بنظركَ عني، لستُ عاهراً، ولستُ قدّيساً، أنا رجلٌ مسكونٌ بالغربة، أنا آدميٌّ ورثتُ خطيئة جدّي “آدم”، واقترفتُها بكلّ قداسة، وكلّ شراهة…
يا قلمي الرّصاص… أحبُّكَ، فهل ستغفرُ خطايا شاعرٍ هجركَ؛ ليعيش عالَم الواقع بعيداً عن سراب الكلمات، وأوهام الحروف التي أعيشها على الورق!!!
هل ستغفر؟!!
شاعر وقاص سوري | مجلة قلم رصاص الثقافية