قلم رصاص |
صدر مؤخراً عن مكتبة بيسان للنشر والتوزيع – بيروت، كتاب «تراجيديا أبناء الشهداء» لـ معتصم ناهض حتر، وذكر الكاتب معتصم ناهض حتر في صفحته الرسمية في الفيسبوك أن الكتاب يتناول علاقته التفاعلية بوالده الشهيد ناهض حتر وتأثيره في تركيبته النفسية والروحانية والوجدانية، وهويته الثقافية والمشرقية، وأضاف معتصم: يتناول هذا الكتاب علاقتنا لكنه يركز أيضاً على علاقتي بوالدي من منظوري الشخصي، أي علاقتي به باتجاه واحد بعد اغتياله واستشهاده وكيف أنظر إلى هذين الشقين أفككهما وأعيد تركيبهما وأحياناً أتركهما كما هما. وتابع، “استحضرت العديد من اللحظات الأشد عنفاً ودموية واضطهاداً في حياتي، ورأيت أن الشيء الذي سيحوّل مضمونها من مجرد قصة تتحدث عن شخص سُحق إلى شخص قرر الشروع في مواجهة الاستبداد هو ربطها بما حولها من واقع وثقافة وفلسفة وميثولوجيا وتاريخ. أردت أن يكون هذا الكتاب صرخة مدوية في وجه العدم والاستبداد وليس كتاباً تقليدياً يروي حياة شخص ما قُتل والده أمامه.
قد تكون هذه الصرخة ميكانيكيات دفاع طوّرها عقلي الباطني لمواجهة هول الفاجعة التي عشتها حين كنت واقفاً بجانب والدي وفجأة سقطت على الأرض ووجدت والدي بجانبي شهيداً يوم اغتياله أمام قصر العدل في منطقة العبدلي في عمان بتاريخ 2016/9/25. هذا الكتاب حبلت به لحظة سماعي صوت الرصاص. بالنسبة إليّ، لن يعود العالم كما كان عليه يوماً ما بعد اغتياله رغم كل ما كان يوجد فيه من دمار أصلاً، ورغم أن أعداء أمتنا لم يتوقفوا عن حبك المؤامرات بحقنا منذ مئات السنين.الحقيقة هي أن وجوده في حياتي كان رمحاً من أمل، ساتراً من براءة،
درعاً من ياسمين، سيفاً من فل، وظلاً من شجرة تين. كل ما أطلبه الآن هو القليل من الوقت لتحضير ما أرغب في تركه قبل مغادرتي. قد لا يكون ذا أي أهمية لكنه سيكون مثل سجل. ربما في أحد الأيام تستطيع بعض الأرواح إحيائي عبره وقد أحظى بفرصة أخرى للتحرر المطلق والخروج من متاهات هذه العوالم الفانية والانطلاق كسهم كهرماني مغطى بدمائي وجوهر تموضعي الكوني باتجاه المصدر: مصدر الروح الخالدة”.
وكتب أيضاُ: ننتظر في القاعة ثم يأتي الدور فنصعد الدرج للوصول إلى قاعة أخرى وننتظر هناك من جديد. تمر ساعات وساعات لكي نراه لدقائق قليلة والتكلم معه عبر هاتف والزجاج يفصل بيننا. كان في السجن الانفرادي، ما تطلب وقتاً أطول لإحضاره، إذ كان بمجرد وصوله ينتهي وقت الزيارة!
لماذا يتعرض والدي لكل هذا التعذيب؟ أفكر كثيراً أنه يحب فكرة ما كان يمكن أن يكون الأردن وليس الأردن بواقعه، لا يمكن! فأردن الهاشميين، أردن عبد الله بن الحسين ورانيا العبد الله، ليس هو الأردن المربوط تاريخياً بسوريا، بل هو جزء من إسرائيل الكبرى! هذا ليس الأردن الذي يقبع وسط المشرق. هذا ليس الأردن الذي يدافع عنه ويتغزل به في كتاباته. رانيا العبد الله وعبد الله الثاني ذهبا في مسيرة لجنازة ضحايا مجزرة شارلي إيبدو ليظهرا للغرب أنهما تقدميان ومع حرية الرأي والتعبير، ولكن لم يكن عندهم مانع من اعتقال كاتب بأسلوب غير دستوري لسخريته من الدواعش لمدة شهر. لم يمانعوا أيضاً الحملات التي دعت لقتل والدي. نعم، الهاشميون اغتنموا فرصتهم المثالية باعتقال والدي، والتحريض ضده. لن يكون هنالك من يفضح, ينتقد, ويواجه سياساتهم المتواطئة مع الكيان الصهيوني بعد اليوم. لن يكون هنالك من يكمل طريقه التي بدأها الشهيد وصفي التل. لن يسمحوا بتلاقي الوطنية الأردنية مع أمها المشرقية.أرفق هنا نصاً من رسالة/ ملاحظة كتبها، وكانت جزءاً من الأوراق التي كانت معه في المعتقل:
“الساعة الخامسة صباحاً؟ لم أنم… وما زلت منكباً على قراءة وجبة جديدة من الكتب منذ الساعة 12 ظهر الخميس أي من 17 ساعة، فجأة انتبهت أنني في غرفة السجن. الحارس نبهني عندما أتى بالفطور، نظرت حولي وضحكت… وجودي هنا نكتة هل حقاً أنني قيد السجن الانفرادي منذ 14 يوماً بسبب إعادة نشر كاريكاتير يسخر من الدواعش وأغضب أنصارهم في البلد؟ إنه لأمر يدعو إلى الريبة فيما إذا كان هناك أي نوع من العقلانية في إدارة الدولة! هل هو انتقام رئيس الوزراء المهزوز الثقة بالنفس؟ أم هو انتقام السلطات مني بسبب سوريا؟!”
يقرع الجرس فتفتح القاعة، يهب الزوار ويبدؤون البحث عن أقاربهم عند كل سماعة هاتف. لا أستطيع رؤيته لأنه في الحبس الانفرادي ويتطلب صعوده إلى قاعة الهواتف ذات الزجاج التي تفصل بين المساجين والزوار وقتاً إضافياً. يأتي من بعيد كملاك يشع نوراً….
ناهض حتر (1960) كاتب وصحافي يساري أردني ولد لعائلة مسيحيّة، خريج الجامعة الأردنية قسم علم الاجتماع والفلسفة، ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية