في حوار على قناة فرانس 24 مع الروائي والصحفي الجزائري الذي يكتب بالغة الفرنسية كمال داوود. أجاب على أحد الأسئلة بأنه يرفض أن يقال بأن اللغة العربية لغة جزائرية بل يعتبرها ثقافة و”لغتي هي اللغة الجزائرية”. ولا نعلم تحديداً ما الذي كان يقصده كمال داوود بقوله “لغتي هي الجزائرية”، مع العلم أن اللغات الرسمية في الجزائر هي ثلاث العربية والفرنسية والأمازيغية. هل كان يقصدها جميعها أم أنه كان يقصد تحديداً اللغة الفرنسية التي يجيدها ويكتب بها كما يجيد اللغة العربية أيضاً فهو خريج الجامعة الجزائرية. هل قصد الفرنسية التي قال عنها “كاتب ياسين” الذي كتب بالفرنسية أيضاً “إن اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب “، وقد حمل كلامه بعداً ايديولوجياً ربما. ومع العلم أن الغنيمة كثيراً ما تعتبر شيء يصبح ملكاً لنا حينما نفتكه من الآخر وتصبح لنا حرية التصرف به كما لو أنه وجد من أجلنا أصلا.وإذا اعتبرنا أن الفرنسية غنيمة حرب. كيف يمكننا أن ننظر إلى العربية وماذا نعتبرها. فلقد جاء الاستعمار باللغة الفرنسية. وأصبحت غنيمة حرب على حد قول “كاتب ياسين”. وجاءنا العرب الفاتحون باللغة العربية. فهل يمكننا القول أن اللغة العربية غنيمة من الفاتحين. أو نعتبرها ثقافة على حد قول “كمال داود”.
إذا كانت الأمور بهذا المنظور فهذا يعني أننا أمام أسئلة شائكة جداً. والإجابة عنها ستكون جد معقدة. فكلنا نعلم أن اللغة الأمازيغية كانت ربما هي اللغة التي تكلم بها سكان الجزائر وهم البربر. فهذا يعني أنها اللغة الأم للجزائر. وهذه النقطة بالذات تشكل صراعاً قديماً بين الأمازيغ والعرب. وهناك من الأمازيغيين من يقولون أن اللغة العربية لا تعتبر لغتهم ولا يجب أن تفرض عليهم من الآخر. رغم أنهم يتقبلون اللغة الفرنسية ويجيدونها قراءة وكتابة.
ولو نظرنا إلى أصول الدول العربية حالياً. لوجدنا أن مصر العربية في الأصل هي مصر الفرعونية. ولغتها الأصل هي لغة الفراعنة القدامى.
ولو نظرنا أكثر لوجدنا أن معظم الدول العربية الناطقة باللغة العربية الآن. هي في الأصل كنعانية وآشورية كفلسطين ولبنان وغيرها. وبعض الدول الأخرى المعربة هي في الأصل من إفريقيا السوداء مثل السودان وجيبوتي وموريتانيا. هكذا نستنتج أن الدول التي نطقت باللغة العربية أصلاً هي دول منطقة الخليج وفقط، فلنبتعد قليلاً عن اللغة العربية والدول العربية. ونذهب إلى منطقة أمريكا اللاتينية التي تنطق معظم دولها باللغة الإسبانية أو البرتغالية التي جاء بها البحارون والقراصنة والمستكشفون القدامى إليها. فنزويلا ليست إسبانيا لكن لغتها الرسمية هي الإسبانية.وكولومبيا لغتها الرسمية هي الإسبانية كذلك البرازيل لغتها الرسمية هي البرتغالية رغم أنها ليست برتغالية. والمكسيك والأرجنتين وبنما وغيرها. لكننا لا نجد تلك الحساسيات التي نجدها عندما يتعلق الأمر بالهوية واللغة العربية عندنا.
في حوار متلفز مع الروائي الجزائري “أمين الزاوي” قال: إن أكثر هذه الحساسيات من اللغة العربية قد شكلها في الأذهان معلمو اللغة العربية التي جائت بهم الجزائر بعد الاستقلال من مصر لتعليم أبنائها اللغة العربية .وقد كان جلهم على حد قوله من الإخوان المسلمين.
فقد رسخ هؤلاء في أذهان طلابهم أن قداسة اللغة العربية من قداسة الإسلام. وهكذا اعتبر بعض محدودي العقل أن اللغة العربية تعني الإسلام. والبعض الآخر اعتبرها لغة التعصب والتطرف. رغم أن الدين شيء واللغة العربية شيء آخر.
وكلنا نعلم أن اللغة العربية وجدت قبل ظهور الإسلام ونطق بها سكان شبه الجزيرة ونطق بها أشهر الشعراء الجاهليين أمثال إمرئ القيس وزهير بن أبي سلمى وكثيرون غيرهم. يعني أنها كانت متداولة قبل مجيئ الإسلام.
إن مشكلة الهوية في الجزائر معقدة للغاية.فهناك من يعتبر أن الأمازيغية لغته بينما آخر يعتبرها تراثه. وهناك من يعتبر الفرنسية لغته بينما يعتبرها آخر لغة المستعمر. وهناك من يعتبر العربية لغته بينما آخر يعتبرها لغة الفاتحين.
نجد في لبنان مثلاً أن اللغة الفرنسية هي لغة الانفتاح على الآخر. أو لغة للإطلاع على ثقافة الآخر. أما في الجزائر تجد وزراء لا يجيدون غيرها ولا يكادون يجيدون شيئاً من اللغة العربية التي تعتبر هي اللغة الرسمية للوطن.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية