..وبعد 9 أشهر، التقى حازم و آدم مجدّداً لشرب الفودكا، آملين ألّا تكون مغشوشةً جدّاً هذه المرّة، ودار بينهما الحوار التالي:
-“إذاً.. 9 أشهر يا رجل؟ أين كنتَ بحقّ الجحيم؟ هلْ كنتَ حاملاً؟” قال آدم.
-“بل أسوأ من ذلك، كنتُ واقعاً في الحب”. أجاب حازم.
ضحك آدم بصوتٍ عالٍ لا يخلو من الإزعاج، و قال هازئا: “أوووه.. أنتَ أيّها التمساح واقعٌ في الحبّ؟! أليسَ هذا مغرقاً في اللطافة؟ سيكون لدينا الكثير لنضحكَ عليه هذه الليلة.”
-“هذا ما حدث”.
-“وكيف حدث ذلك؟ هل ارتطم نيزكٌ ما برأسك اللعين؟ الأمر الذي جعلك تفعل ما عاهدتَ نفسك ألّا تفعله مجدّداً أبداً؟ أم أنّك بدأتَ تفقد براعتك ببساطة؟”.
-“قد يكون ما حدث تذكيراً بالحرص على عدم فقدان البراعة أبداً”.
-“ماذا تقول ذلك؟”.
-“لا شيء مهم، فقط تبيّن أنّها عاهرة”.
-“و استغرق الأمر منك 9 أشهر لتكتشف هذا الاكتشاف الخطير؟ سرعتك في معالجة المعطيات مثيرةٌ للإعجاب فعلاً!” سخر آدم من حازم.
-“كنت مشتبهاً في ذلك لوقتٍ طويل، و هذا مؤشر آخر على فقدان البراعة، إذ يبدو أنّي بدأتُ أقع في حب العاهرات. يا له من تطّور!! أليس كذلك؟”.
-“ألا يجعلُ ذلك منك عاهراً؟”.
-“أبداً، أظنّه يجعل منّي أبلهاً في أحسن الأحوال. لا بدّ أن الأبله هو قرين العاهرة في اللغة و الحياة”.
-“بالمناسبة، ما هي العاهرة برأيك؟”.
-“هي التي لا شيء يعني لها شيئاً.. كل شيءٍ مطروح للبيع: الذاكرة، الأحاسيس، الرغبة، الروائح، الأوهام، التاريخ، القناعات، البديهيّات، الصدق، النفاق، الحب. كلّ ذلك بأسعار مغرية جدّاً، و عروض خاصة على مدار موسم الحياة.”.
-“وبائعة الجسد؟”.
-“ليست عاهرة طبعاً، هي مجرّد بائسة تستحق الشفقة”.
-” على ذلك فالعاهرة مفهوم غير جندري. قد تكون العاهرة رجلاً أو امرأة”.
-“بدون شكّ”.
-“سأشرب نخب ذلك، بصحّتك.” قال آدم، وقرع كأسه بكأس حازم، ثم أخذ رشفة جيّدة وقال: “أترى؟ يبدو أنّها ليست مغشوشة جدّاً، فمازلنا نتحدّث كشخصين محترمين.. أخبرني إذاً، ما الذي حدثَ مع حبيبتك؟”.
-“ليست حبيبتي، قلت لك إنّها مجرّد عاهرة، ولا أريد التحدّث عن الأمر”.
-“حسناً حسناً، وكيف تشعر الآن؟ هل هو صداع ما بعد ثمالة الحب؟”. تهكّم آدم مجدّداً.
-” أشعر كما العادة، أنّي غبي و بخير. التغيير الوحيد الملحوظ هو أنني استبدلتُ فتاة أحلامي ب أنجيلينا جولي”.
-“ماذا تقصد؟”.
-“الفتاة التي تزورني في الحلم منذ كنت طفلاً”.
-” آه.. تلك الفتاة التي لم تتوقف عن إزعاج مؤخرتي بالحديث عنها منذ 20 عاماً، و كم هي رقيقة و محبّبة، و كيف خلال لحظات الحلم القصيرة تغمرك بإحساس تعجز عن وصف حلاوته، ولم تختبر أبداً مثيلاً له في حياة الواقع.. حسناً ما بها الفتاة؟”.
-“مؤخرّاً باتت تظهر في الحلم بصورة أنجيلينا جولي. تصوّر يا رجل! ليست مونيكا بيلوتشي أو ميلا كونيس بل اللعينة أنجلينا. العجيب في الأمر أنّ ما يفترض به أن يكون كابوساً بوجودها، ما زال هو نفس الحلم الرائع بإحساسه الذي لا يوصف”.
-“آسف يا رجل.. آسف لأجلك حقّاً. والله لتمنّيتُ أن تزورني السيدة ميركل في الحلم، أو حتى سيدنا عزرائيل شخصياً على ان تزورني أنجلينا”.
-“ركّز بالله عليك، ليست مغشوشة جدّاً اذاً؟!! قلت لكَ أنّ الحلم لا يزال رائعاً. و الآن دعك مني، ماذا لديك؟ ماذا كنت تفعل عدا عن مراكمة خبرتك الفريدة في الفودكا المغشوشة؟”. قال حازم بينما كان ينهي كأسه و يصبّ كأساً جديدة.
-“لا شيء عدا ذلك. عالقٌ كما دائماً في الأمور العالقة و القضايا غير المنتهية”.
-” ها قد بدأ نفس الهراء المعتاد. الآن يمكننا التأكد أنك ثملتَ تماماً.” قال حازم ضارباً كفّاً بكف مع هزة رأس كنايةً عن الملل القادم.
-“أنتَ.. يا عاشق العاهرات. لقد سمعتُ وتحمّلتُ هراءك معظم حياتي اللعينة، فلا تبدأ بالتذمّر كلّما حاولتُ أن أقول شيئا”. ردّ آدم بعصبيةٍ واضحة.
-“حسناً أيّها الدرامي الفاشل، كلّي آذان صاغية. أرجوك أنعم عليّ بترهاتك”.
-” لا تستخفّ بهذا الأمر أبداً، ألا يقال أنّه عند الموت، إن كان للروح أعمال غير منجزة وأشياء عالقة في حياتها، فستبقى هائمة إلى الأبد و لن تجد السلام أبداً”.
-“ويقال أيضاً في مكان ما أنّ الربّ هو عبارة عن بقرة، وأنّ الكفر هو أن تعتقد بكرويّة الأرض. هل يفترض بهراءٍ كهذا أن يعني شيئاً؟”.
-“دعك من مسألة الموت هذه، في الحياة ألا تشعر أنّ كل هذه الأعمال غير المكتملة، والقضايا العالقة، ومعاركنا التي خسرناها دون أن تتسنى لنا فرصة خوضها، و معارك أخرى خضناها وهي ليست معاركنا أساساً فخرجنا منها مشوّهي حرب بأطراف ناقصة وقلوب من الستانلس القابل للصدأ… ألا تشعرُ بكل ذلك يقبع عميقاً ثقيلاً في أحشائك؟ معطياً لمركز عطالتك وزناً نوعياً يجعلك عالقاً في وضع القرفصاء قريباً جدّاً من الأرض الزلقة”.
-“آسف، لا أشعر بذلك أبداً، بل لم أفهم كلمةً واحدة ممّا قلته. هذا الشيء اللعين الذي تجعلنا نشربه يذهب بك إلى انزياحات لا أعرف عنها شيئاً.. اسمعْ، أظنّ ان لديّ نصيحة جيّدة لك: تبوّل يا رجل. تبوّل وسيكون كل شيءٍ على ما يرام”.
-“شكراً للشيطان”. صفّق آدم بقوة.. أخيراً .
بدأنا نسمع شيئاً مفيداً ومغيّراً للحياة كما نعرفها، وهل هناك ما هو أكثر فائدة وتحريراً من البول؟. أكمل هازئاً.
-“اسمع أيّها النتن، لا أقصد التبوّل بالمعنى الحرفي. أنا أستعير ما يفعله الذئب الذكر، يتبوّل محدّداً مجاله الحيوي المقدّس. رائحة البول تفرض على الجميع معرفة واحترام هذه الحدود، وأي اختراق لها يعني حرفياً معركة حياة أو موت. ارسم حدودك بوضوح واجعلها واضحة لكل شيء يتحرّك حولك. إذا فعلتَ ذلك بالشكل الصحيح، أؤكّد لك أنك لن تعود مجدّداً للحديث عن هراء الأشياء العالقة والنهايات الناقصة”.
-” أتدري؟ أعجبتني تماماً مسألة البول هذه. طريقة تقديمك لها مبهرةٌ فعلاً. لكن هل لي بسؤال بريء.. أين كان بولك حين وقعتَ في حب العاهرة أيّها الذئب الأغبر؟”.
-“كان في رأسي بالتأكيد، لن أنكر ذلك. بصحتك” قال ذلك وقرع كأسه بكأس صاحبه. لم يقولا شيئاً بعدها تقريباً، لكنّهما قرعا بضعة كؤوس أخرى ثمّ غادرا.
حسناً، ليس لهذه السهرة أيضاً أيّ نهاية رائعة أو مذهلة. ففي الصباح التالي لم يتذكّرا شيئاً تقريباً عن الليلة السابقة. كل ما في الأمر أن أول فكرة خطرت ببال كليهما حين فتحا أعينهما على صداع رهيب كانت: “لا بدّ أنّها مغشوشة جدّاً”.
هامش: الفودكا المغشوشة هي كحول رديء معبّأ محليّاً في عبوات تقلّد ببراعة الماركات المعروفة عالميّاً. وهي ظاهرة تعدّ إحدى النتائج البعيدة للحرب السورية.
مجلة قلم رصاص الثقافية