الرئيسية » رصاص حي » الكتب المزورة والمقرصنة: معضلة أخلاقية

الكتب المزورة والمقرصنة: معضلة أخلاقية

شهد محمد قيس  |

يستطيع طفل ادخار جزءٍ من مصروفه ليشتري كتاب حكايات في نهاية الشهر، وعندما يكبر يحكي هذه الحكاية بفخر أمام رفاقه الذين ضيعوا نقودهم على الحلوى، رغم أنه قد توقف عن ذلك الآن. فلم تعد حاجته مجرد كتاب حكايات أو مجلة ماجد كل شهر، بل إن هناك الكثير من الروايات والكتب العلمية والفلسفية التي لا يحتمل ادخار ثمنها، وبالطبع كتاب واحد في الشهر قد لا يكفيه كقارئٍ نهم، لكن هذه ليست النهاية! يُطّل روبن هود العصر الحديث لإنقاذ هذا القارئ ويوفر له كتباً مصوّرة بسعرٍ زهيد، أو يوّفرها على الانترنت بصيغة pdf  وبهذا يستمر القارئ في القراءة دون أن يضطر لاعتبارها ترفاً لا يقدر عليه، لكن روبن هود الكتب الذي يسعد القرّاء هو لص ومجرم في نظر الذين يسرق منهم لتحقيق هذه السعادة، أي دور النشر التي تخسر زبائنها بسببه.

لا لتزوير الكتب

لمحاربته، أطلق الناشرون العرب – بعد يأسهم من الرقابة- حملة توعية على موقع فيسبوك باستخدام هاشتاغ #لا_لتزوير_الكتب. حاول الناشرون من خلاله شرح مساوئ الكتب المزورة وتكاليف الكتاب الأصلي، كما اعتمدوا أسلوب التوعية الأخلاقية وتسمية هذه العمليات سرقة، لكن لسوء حظهم كانت ردود الأفعال سلبية تجاه الأمر، فقد دافع القارئ العربي عن حقه في شراء الكتب المزورة أو قراءة نسخ pdf بسبب غلاء أسعار الكتب، وأن على دور النشر أن تخفض من أسعارها المبالغ بها إن كانت تريد محاربة التزوير.

رداً على ذلك قام بعض الناشرين بشرح التكاليف التي تتكبدها دور النشر الرسمية، لتوضيح سبب ارتفاع الأسعار. بالنسبة للكتاب المترجم، على الدار العربية دفع حقوق النشر للدار الأجنبية أو المؤلف، ودفع تكاليف الترجمة للمترجم، وكذلك تكاليف المراجعة والتحرير والإخراج الفني، وتشل هذه كلها 65% من تكلفة الكتاب، بينما لا تتجاوز تكلفة الطباعة والورق نسبة 35%، وهذه النسبة هي تكلفة الكتاب المزور كاملةً.

اعتبر الناشرون أن التزوير جريمة أخلاقية وقانونية وأن من يشارك فيها هو مشارك في هذه الجريمة، ولكن هل دور النشر العربية نزيهة بما يكفي لتعطي أحكاماً أخلاقية؟ الإجابة على هذا السؤال توجد عند الكاتب العربي الذي لا يعيش من كتابه مثل باقي الكتاب في العالم.

استغل بعض الكتّاب هذه الحملة لمشاركة وجهة نظرهم في هذا الشأن، فرغم تأييدهم لحق دور النشر، طالبوا أن تهتم هذه الدور أيضاً بحقوقهم ككتّاب في أن ترسل لهم دور النشر تقارير السنوية حول مبيعات كتابهم، وهذا ما لا تفعله! إذ إن حق الكاتب يؤكل بحجة ضحالة القراءة في العالم العربي وهذا غير مقبول.

في ظل هذه الهجوم المتبادل بين الأطراف الثلاثة، سألنا كتّاب وناشرون وبائعو كتب عن رأيهم في التزوير، وما إن كان من حق المواطن العربي تجاهل حقوق دور النشر الرسمية والاعتماد على الكتب المقرصنة، قال الكاتب العراقي حسن بلاسم: إنه بالتأكيد ضد التزوير، لأن من حق الكاتب العربي أن يعيش من كتبه، وهذا مستحيل تقريباً في ظل الكتب المزورة والمقرصنة، إلا إنّه أيضاً اعتبرها قضية شائكة، ولا يمكن حسم الحق فيها، فلبعض الدول العربية ظروف خاصة تمنعها من شراء الكتاب الأصلي، وذكر مدينة الموصل كمثال في فترة حصار داعش لها، فقد تمكّن القراء هناك من قراءة مجموعته القصصية “معرض الجثث”، والفضل يعود للنسخ المقرصنة، والشيء ذاته ينطبق على سوريا التي لا تصلها كتب دور النشر العربية الكبرى مثل منشورات الجمل والمتوسط بسبب الوضع الاقتصادي فيها. وسيكون أمراً قاسياً ألا يتمكن سكان هذه الأماكن من القراءة لذا يمكن غض النظر عن الكتب المقرصنة فيها.

المعيشة أولاً

ولم يكن رأي أبو طلال بائع الكتب المستعملة الشهير في مدينة دمشق مختلفاً، فذكر إن النسخ الأصلية كانت تجد من يقتنيها وإن كان سعرها مرتفعاً، فالقارئ المتمرس ليس غبياً ويعرف جودة الطباعة والتغليف ويفضل نسخة جيدة على نسخة تهترئ بعد القراءة الأولى، أو نسخة pdf  تتعب العين، إلا أنه في ظروفٍ كهذه، يُجبر القارئ على الاكتفاء بالنسخ المزورة أو الالكترونية لأن الأولوية تكون لتدبر المعيشة وتأتي الكتب في مرتبة لاحقة. وأضاف أنه لا يجب محاربة هذه النسخ بهذه القسوة، لأن على الكتّاب والناشرون الاهتمام بنشر الفكر وليس المادة، وخصوصاً دور النشر في لبنان لأن كتبها هي الأعلى سعراً في العالم العربي. وعندما فازت رواية “فرانكشتاين في بغداد” لم يكن أمام القرّاء أو بائعو الكتب سوى بيع الكتب المزورة في دمشق بسبب عدم توفر كتب منشورات الجمل في دمشق.

لتدارك الأمر، قامت (دار ممدوح عدوان) بحركة ذكية، حيث خصصت نسخاً (مخصصة للبيع في سوريا) من بعض الكتب ذات الطلب الكبير مثل “فتيان الزنك” للكاتبة الروسية الحاصلة على نوبل لعام 2015 سفيتلانا ألكسييفتش. وهذه الكتب تباع بسعر يتناسب مع الاقتصاد السوري، فلا يضطر القارئ بالتالي إلى شراء النسخ المزورة.

وللحصول على الصورة الكاملة، سألنا مدير مكتب دار الرافدين حسن أكرم عمّا تسببه الكتب المزورة من خسائر للدار، وعمّا إذا كانوا يدركون أن ارتفاع أسعار الكتب هو السبب. أكّد أكرم على الخسارة التي تسببها هذه النسخ، واعتبر أن ارتفاع أسعار كتب دور النشر في لبنان هو أمر منطقي، حيث أنها ذات جودة أعلى من منشورات الدور الأخرى. وأضاف أن هناك دار نشر سورية تبيع الكتب بأسعار مشابهة لأسعارنا رغم ضعف الجودة الفنية لهذه الكتب.  

من الجانب الآخر، يدافع البعض عن القرصنة رغم كل هذه المعطيات بحجة إنها تحقق الانتشار والشهرة للكاتب، وإنه لولاها لما وصل إلى شريحة كبيرة من القرّاء. وهذا الأمر يسري على الأفلام والمسلسلات وغيرها وليس الكتب فقط. في هذا الشأن قال البائع أبو طلال:” قد تساهم الكتب المزورة في وصول الكتاب إلى الفقراء، لكنها لا تعطي الكاتب شهرة إضافية، لأن المزورون يقومون بتزوير الكتب الأكثر طلباً، أي أن أصحابها مشهورين بالفعل، ولا يطال التزوير عادةً الكتب ذات الشعبية القليلة مثل الكتب الاختصاصية والنخبوية، وقرّاء هذه الكتب يجيدون شراء النسخ الجيدة.” ونوّه أكرم على أن الكاتب يجب أن يهتم باستحقاقه أكثر من الشهرة.

تخفيض الأسعار هو الحل

ما يهم هنا هو هل تستطيع الحملة التأثير فعلاً على القرّاء؟ حاولنا رصد آراء قرّاء مختلفين بهذا الشأن، والمفاجئ في الأمر أن بعضهم لم يكن يعرف بوجود النسخ المزورة، وبعد أن شرحنا لهم تكاليف الكتاب الأصلي وأسباب انخفاض ثمن الكتب في بعض المكتبات، أكدّوا على إنهم سيستمرون في شراء النسخ الرخيصة لأنهم لن يستطيعوا تحمل ثمن الكتب الأصلية التي توجد في معارض الكتاب، وكان رد فعل قارئة نهمة – تجاوزت عدد قراءاتها على موقع goodreads ألفي كتاب- عصبياً تجاه الحملة، وأكدت على أنها ستسمر في اقتناء النسخ الرخيصة بل وطباعة الكتب بنفسها، أو على الأقل الاعتماد على الاستعارة، وأضافت أن موقف الناشرون ضعيف إذ إن أسعارهم تفوق الخيال بالنسبة لأي شخص مهما كانت حالته المادية، ولتفادي التزوير على الناشرين أن يجدوا حلاً لخفض أسعارهم بدلاً من المواعظ الأخلاقية.

واعتبر قرّاء آخرون أن المزورين الذين يبيعون الكتب المستنسخة ليسوا إلا لصوصاً رغم حاجتنا إليهم، وهم يختلفون اختلافاً كبيراً عن الذين يرفعون الكتب على الانترنت، فالشخص الذي يوّفر هذه الكتب هو روبن هود حقيقي، لكونه لا ينتظر ربحاً مادياً على عكس الذين يبيعون الكتب المستنسخة. ولعلّ أبرز هؤلاء الـ “روبن هود” هم علي مولا، ومقرصن سوري ينشر الكتب باسمٍ مستعار هو (أبو عبدو البغل) بالإضافة إلى الكويتي نواف صاحب مدونة ketab الذي نجد شعاره على كثير من الكتب الموجودة على الانترنت.

يبقى السؤال ما إذا كانت دور النشر قادرة على الاستمرار في ظل هذه الظروف، وقد حصلنا على إجابة مريحة لهذا، فقد أكّد صاحب دار كنعان سعيد البرغوثي لنا أن دور النشر قادرة على الاستمرار رغم وجود التزوير، فهناك دائماً قارئ يفضل النسخ الورقية، ودور النشر قادرة على الربح رغم التزوير. وعن هذه الحملة قال البرغوثي: ” بالطبع هذه سرقة، ونستطيع اللجوء للقضاء لأخذ حقنا، لكن بعض الناشرين (نقاقين) ويتباكون كثيراً، لكنهم يربحون مادياً رغم كل هذه الظروف، فلا أحد ينشر لوجه الله!”.

خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

هل زعزعت وسائل التواصل مكانة الكتاب المقروء أم عززتها؟

صارت التكنولوجيا الجديدة ووسائل التواصل، تيك توك، يوتيوب، فيس بوك وغيرها مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *