كثيراً ما يكون الكاتب أوالمبدع عموماً عرضة لعدة أنواع رقابية سواء ذاتية يسلطها هو شخصياً على كتاباته.أو نوع آخر من الرقابة يسلط عليه من طرف الآخرين. وذلك بسبب محاولته فتح الجدال على عدة أصعدة أبرزها دينية أخلاقية. أو حتى بسبب خجله من المجتمع والأسرة. وذلك ما قد يجعله يتخد قرار عدم الخوض فيما يصطلح على تسميته بالثالوث المحرم.الدين والجنس والسلطة.
ولعل أكثر ما قد يجعل المبدع يمتنع عن الحديث والكتابة أو المناقشة في مثل تلك المواضيع. هو عامل الخوف من الآخر. فهوعرضة للقمع أو التعذيب أو حتى التصفية الجسدية. ويمكن أن نضرب كمثال. ما حدث خلال عشرية الدم التي مرت بها الجزائر. وحملة الاغتيالات تلك التي مست فئة المثقفين من صحفيين وفنانين. وذلك ما جعل العشرات منهم يقومون بهجرة جماعية نحو الدول الأوروبية أبرزها فرنسا وبلجيكا. وتقريبا تعرض كل من تكلم وكتب بحرية إلى عمليات اغتيال جبانة. نذكر على سبيل المثال لا الحصر الصحفي والروائي الفرونكوفوني “الطاهر جاووت” والمطرب القبائلي “معطوب الوناس” والصحفي “إسماعيل يفصح”.
بل إن عمليات الاغتيال كانت قد مست حتى أولئك الذين كانوا بعيدين كل البعد عن الصدامات السياسية. مثل الشاب حسني والشاب عزيز وغيرهما.
وقد دفعت أحداث العنف بعض المثقفين إلى الإنعزال والتخفي عن الأنظار هروباً من التهديد بالقتل. فقد اختفى الروائي رشيد بوجدرة في سكن خاص وذلك لأشهر طويلة في مدينة “تيميمون” الصحراوية والتي كانت بعيدة ربما عن الأعمال الإرهابية والتي شملت العديد من المدن الجزائرية.
وقد اتخدت الدولة الجزائية بعد ما حدث قرار حماية الصحفيين، فقامت وزارة الثقافة بتخصيص فندق كامل لإقامتهم مع توفير الحماية الأمنية اللازمة. وقد تناول الروائي “بشير مفتي” تلك الحادثة بالتفصيل في روايته “دمية النار” وذكر بأنه قد قضى أياماً طويلة بين أسوار ذلك الفندق هروباً من عمليات الاغتيال التي مست فئة الصحفيين والإعلاميين.
كانت كلها عبارة عن محاولات من أجل تكميم الأفواه. طالت حتى أولئك الذين كانوا يتكلمون من خلال خشبة المسرح. فقاموا باغتيال المسرحي الوهراني “عبد القادر علولة”. ذلك الرجل الذي خدم المسرح الجزائري والسينما أيضاً.كما اغتالوا من بعده المسرحي الآخر “عز الدين مجوبي”.
والسؤال الملح.. هل سكوت المبدع تفادياً للتعرض لمثل لتلك الأخطار يعتبر نوعاً من الجبن والخضوع؟ أو هل محاولة الإبتعاد عن تلك الصدامات من أجل الحفاظ على الحياة يعتبر عذراً مشروعاً؟
وجهت صحفية سؤالاً مماثلاً وفي نفس السياق للكاتب والمفكر المصري “يوسف زيدان” وذلك خلال برنامج في ذكرى اغتيال المفكر “فرج فودة” وقالت له: إن المفكر كثيراً ما يكون عرضة للقتل كلما حاول أن يتكلم كما حدث مع فرج فودة؟ فأجاب زيدان: إن المفكر عليه أن يتكلم حتى لو كان ثمن ذلك هو أن يخسر حياته.
ولم تقتصر فتاوى القتل في حق المثقفين خلال عشرية الدم فقط، بل كان الصحفي والكاتب “كمال داوود” قد تعرض لتهديد القتل وذلك بعد فتوى صدرت في حقه من طرف أحدهم بسبب ما جاء في روايته “ميرسو تحقيق مضاد” التي صدرت في الجزائر وفرنسا. وقد انتقد داوود بعض الثوابت والقيم. وحين وجه له سؤال لما فعل ذلك برره بأن كل ما قاله جاء على لسان بطل الرواية وذلك لا يعني أنها أراءه الشخصية.
ترى هل يمتلك المبدع الجرأة اللازمة على الكلام وهل يعتبر ذلك نوعاً من التهور والمخاطرة بحياته وحياة أسرته. ولما عليه أن يفعل وثمن ذلك ثمين ومكلف جداً.
خاص مجلة قلم رصاص الثقافية