غالباً ما يكون الفن انعكاساً للواقع، وأي متابع للدراما التلفزيونية، أو المسرح وحتى السينما، منذ ستينات القرن الماضي وحتى اليوم، سيكتشف أن المشكلات التي عانى منها مجتمعنا هي ذاتها، بل وأضيف إليها مشكلات عصرية أخرى، الأزمات التي واجهت أهالينا قبل عقود، هي ذاتها التي نواجهها اليوم.
كتب الأديب السوري الراحل محمد الماغوط كثيراً عن تلك الأزمات، وسخر منها في مقالاته اللاذعة، رحل الماغوط وخلّدت الأزمات دون أن تجد لها حلولاً ناجعة تجعلها من الماضي، أزمة مواصلات، وأزمة محروقات، وأزمة اقتصاد، وأزمة أسعار، وأزمة ثقافة، وأزمة إعلام، وأزمة حرية، وأزمة قراءة وأزمة ثقة بين المواطنين وحكوماتهم المتعاقبة.
ليس الماغوط فقط، بل سخر صحفيون وكتاب كثر من أزمات بلدانهم التي لا تنتهي ولا تجد لها أية حلول. تلك السخرية الموجعة التي يحاول الكتاب من خلالها دفع أصحاب القرار للبحث عن حلول جدية ونهائية للمشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم لم تجد نفعاً، وإذا راجعنا أرشيف الصحافة السورية خلال عقدين من الزمن، أو ثلاثة عقود، أو حتى خمسة، سنجد أن الخطاب ذاته يتكرر، والمشكلات التي يتم الحديث والكتابة عنها هي ذاتها، فكل شيء يتغير من حولنا إلا نحن ثابتون، نراوح في مكاننا، وربما تراجعنا في كثير من الأحيان، دون أن نتمكن من إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا وإنهاء معاناتنا المُزمنة معها، ويبدو أنها لن تجد طريقها نحو الحل وفينا عرق ينبض، فما ورثناه من آبائنا سنورثه لأبنائنا وهكذا دواليك.
إن المعضلة الأساسية في البلدان العربية هي الاعتماد على الرؤى المنقوصة وتجاهل الاستراتيجيات الغائبة تماماً، ففي سورية مثلاُ هناك عرف مُتبع، وهو “التسكيج”، فكل شيء في البلد “مسكج تسكيج”، لذا تحولت “السكسجة” إلى منهج عمل دائم، فمشكلة الغاز المنزلي، تتكرر كل عام، وكذلك فيضانات الشوارع، وكذلك أزمة الحمضيات، وغيرها الكثير، وكل هذه الأزمات يعتمد أصحاب القرار على الحلول المؤقتة لتجاوزها، “يلا مشيها وسكجها” المهم تقطع هالسنة، وبعد أشهر فقط، نجد أنفسنا أمام ذات الأزمة مجدداً..لتتفتق أذهان أصحاب القرار عن أفكار “فنتازية” للسكسجة مجدداً.
إن هذا الوضع سيجعلك كمواطن سوري تدرك المعنى العميق والبعد الحقيقي لجملة: سورية الله حاميها. لأنها فعلاً الله “مسكجها”، عفواً..حاميها.
مجلة قلم رصاص الثقافية